طوال سنوات البحث عن السلام في الشرق الأوسط، كانت فكرة الدولة الواحدة ذات القوميتين اليهودية والعربية تجسد حلم التيارات السلمية علي الجانبين باعتبارها الحل الامثل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا الحلم، كان يصطدم دائما بأطماع المستوطنين وعنصرية اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يستطيع ان يري إسرائيل إلا كدولة يهودية والي الحد الذي جعل رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو يضع إعتراف الفلسطينيين بهذه الرؤية كشرط مسبق لمفاوضات السلام الحالية بواشنطن. ومع إقتناع جميع الأطراف بمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالحل الذي يقوم علي اساس دولتين احداهما اسرائيلية والأخري فلسطينية، ظهرت مرة اخري فكرة الدولة الواحدة ذات القوميتين. والمفاجأة ان من ينادون الآن بإقامة دولة ديموقراطية واحدة ليسوا هم العرب ولا جماعات السلام او التيارات اليسارية والليبرالية في إسرائيل بل هم زعماء المستوطنين وقادة اليمين الإسرائيلي! فقد ادرك هؤلاء ان تحقيق السلام بالطريقة التي تتم الآن وعلي اساس اقامة دولة فلسطينية مستقلة يعني حتمية ان تنسحب إسرائيل من غالبية الأراضي التي احتلتها في حرب 1967 وهي خطوة لا يمكن ان تستوعبها العقلية التوسعية للمستوطنين واليمينيين الذين يؤكدون ان اي اساس اخر للمفاوضات سيكون افضل بكل تأكيد من التخلي عن الضفة الغربية واقامة دولة فلسطينية. وقد غير اليمين الإسرائيلي الكثير من مفاهيمه السابقة من اجل تبرير رؤيته الجديدة الرافضة لحل الدولتين الذي اصبح الآن خطراً عاجلاً يهدد إسرائيل الكبري التي يسعي اليها هؤلاء المتطرفون. ووفقاً لتصريحات رموز التطرف اليميني في إسرائيل والتي نشرتها صحيفة هاأرتس، فليس هناك مانع من منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والسياسية كمواطنين في إسرائيل مقابل ضم الضفة الغربية لإسرائيل الي الأبد. والأكثر من ذلك ان التيار العنصري والإستيطاني الإسرائيلي بدأ يسحب اعتراضاته السابقة علي استيعاب الفلسطينيين والتي كانت تستند الي الخوف من ان يصبحوا أغلبية في إسرائيل خلال سنوات. لذلك، ظهرت إحصائيات جديدة تؤكد ان التقديرات التي تشير الي ان عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية يتجاوز 2.5 مليون نسمة خاطئة ومبالغ فيها. وحتي معدلات المواليد والوفيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصبحت فجأة تميل لصالح استمرار الأغلبية اليهودية! وبالإضافة الي ذلك تقوم حسبة اليمين الإسرائيلي الجديدة علي استبعاد فلسطينيي غزة تماما من الدولة الثنائية القومية التي يرون انها يجب ان تضم فقط سكان إسرائيل والضفة الغربية وهو ما يعني التخلص من 1.5 مليون فلسطيني هم سكان غزة الذين يشكلون خطراً هائلاً علي استمرار الأغلبية اليهودية في إسرائيل اذا اصبحوا جزءا من الحل السلمي. ويرفض صقور السلام الإسرائيلي هؤلاء اي حديث عن نصيب الفلسطينيين من السلطة في الدولة الديموقراطية المزعومة التي يروجون لها ويؤكدون ان الحديث في هذه النقطة سابق لأوانه وهو ما يشير الي نواياهم الحقيقية في استمرار السيطرة اليهودية. والسؤال هو .. هل تحول صقور اليمين الإسرائيلي الي حمائم سلام بين عشية وضحاها فأصبحوا يؤيديون الدولة الديموقراطية الواحدة التي يتعايش فيها الفلسطينيون واليهود ام ان الأمر برمته مجرد خدعة جديدة لكسب الوقت وتجنب استحقاقات السلام وفي مقدمتها الإنسحاب من الاراضي العربية والفلسطينية؟!