فالصراع الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت الذي دام لعشرات السنوات راح ضحيته الآلاف وجعل البلاد مرادفة لمعاني الارهاب والتطرف والعنف اختلفت ملامحه تماما واصبح المواطنون بإمكانهم الانتقال بحرية تامة ومن والي الشمال دون الحاجة الي عبور الحواجز الامنية المنيعة وحاجز التفتيش. فاذا كان السلام خيارا ممكنا مهما طالت سنوات الصراع فلماذا لا نحلم به في منطقة الشرق الاوسط خاصة مع وجود العديد من نقاط الالتقاء بين الصراعين علي حد قول زيون ايفروني السفير الاسرائيلي لدي ايرلندا. ويمضي قائلا: مع التسليم بأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي اكثر تعقيدا وصعوبة خاصة مع وجود العامل الديني والحساسية التي تمثلها مدينة القدسالمحتلة في الصراع لما تضمه من مقدسات دينية ليست يهودية او اسلامية فحسب بل لكل الديانات السماوية بالاضافة الي مبدأ حل الدولتين الذي يلقي الكثير من التحديات من بعض دول المنطقة. الا ان هذا يمنع وجود العديد من الدروس يمكن الاستفادة بها من تجربة ايرلندا في مقدمتها حاجة طرفي النزاع الي التنازل عن حلمه الأكبر محل الصراع فبدون هذا المبدأ لا يمكن التوصل لتسوية أو اتفاق. الاسرائيليون من جانبهم مطالبون بالتخلي عن حلم اسرائيل الكبري، اما الفلسطينيون فعليهم ان ينسوا حلم عودة اللاجئين. وهذا ليس مستحيلا واستطاعت ايرلندا تطبيقه بعد توقيع اتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 أما الدرس الثاني فهو ضرورة احترام وحماية مصالح جميع الاطراف. فالمجتمع الاتحادي في شمال ايرلندا ارسي مبدأ انه لا يمكن الانحراف في ايرلندا المتحدة دون ارادته فلكل فرد الحرية التامة في اختيار الجنسية التي يراها ملائمة سواء البريطانية او الايرلندية مع تمتع الاقلية بجميع الحقوق السياسية والمدنية والمشاركة الكاملة في حكومة المقاطعة. وبالنسبة للجانب الاسرائيلي فإن المصلحة العليا هي اعتراف الفلسطينيين بدولة اسرائيل كدولة قومية لليهود توجد وسط ترتيبات واحتياطات امنية الي جانب دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وبالنسبة للفلسطينيين فإن المصلحة العليا هو الحرية والاستقلال ببلادهم. الدرس الثالث وهو مدي اهمية دخول اطراف ثالثة لتوسط النزاع فالدور الذي قامت به الولاياتالمتحدة مع مبعوثها الحالي لمنطقة الشرق الاوسط كان له تأثير بالغ علي انهاء الصراع بالتوصل الي اتفاق تقاسم السلطة. ويستطيع ميتشل القيام بالدور ذاته في الشرق الاوسط كما تستطيع الدول العربية الضغط علي الجانب الفلسطيني لقبول الحلول الصعبة التي بإمكانها دفع عملية السلام وطمأنة اسرائيل للجلوس علي طاولة المفاوضات. وليكن تطبيع العلاقات هو اولي الخطوات التي يتم البدء بها. ففي عام 1996 طرح ميتشل ما عرف بمبادئه التي جعلت السبل السلمية الديمقراطية الامثل في حل النزاع. فالمتعمق في صراع الشرق الاوسط بجد ان اسرائيل ترفض أي شكل للحوار مع حماس اما الاخيرة فترفض حق اسرائيل في الوجود في الاساس وتسعي لتكوين دولة اسلامية علي الأراضي الفلسطينية ككل. كذلك تشييد بناء راسخ يدعم الاتفاق السياسي الذي سيتم التوصل اليه من اهم الدروس التي يجب تعلمها. فأول خطوة وضعتها ايرلندا علي طريق السلام هي تغيير الصور النمطية التي يزرعها كل طرف عن الطرف الآخر ويروح لها. فمتي تزال الكلمات والصور النمطية السيئة عن العرب والمسلمين من المناهج الاسرائيلية وهل يمكن ان يري الاطفال في مصر وسوريا ولبنان واسرائيل علي خريطة البلاد التي تحد بلادهم. وهو ما لا يمكنه التحقق بدون معاونة رجال الدين علي الجانبين فقد لاحظ المراقبون السياسيون انه في اشد لحظات الصراع كانت الطائفتين تعودان من علي حافة الانزلاق في العنف مرة اخري حيث كانت القيادات الدينية تعمل كقوي لكبح تطرف طوائفهم من جديد ولازال هناك الكثير في التجربة الايرلندية فهناك الوقت الذي تم فيه اقرار هذا السلام بشكل كامل والذي استغرق سبع سنوات من تايخ توقيع الاتفاقية. ولأنه حتي بعد توقيع اتفاق للسلام تظل هناك عناصر رافضة راديكالية وتسعي لتدمير المسيرة بالكامل لذا يجب دعمه برفاهية اقتصادية تعمل كعمود فقري لجهود السلام. يجب ان تكون هناك شفافية في تعزيز صلات التواصل بين الطرفين فهي الخطوة الحقيقية الصادقة الوحيدة للسلام الذي قد نراه يوما يملأ ربوع بلادنا.