قضي الأمر وأصبحت مصر في انتظار دستور وبرلمان ورئيس ، وحياة طبيعية تعيدها إلي جادة الصواب! وإذا كان النجاح له مائة أب يتنافسون في نسبه إليهم، فإن الفشل بلا أب دائما لأن لا أحد يريد الاعتراف به ! ومنذ الاستفتاء علي الإعلان الدستوري ونحن نحذر من التعجل في تحديد مصير الوطن الذي تم تقسيمه بين من قالوا نعم ومن قالوا لا ومن طالبوا بأن يكون الدستور أولا ، ومن طالبوا بأن تكون الانتخابات البرلمانية أولا ولكن كنا كمن يؤذن في مالطة ! وبدأ اختطاف حلم التغيير بالتدريج لتأتي انتخابات مجلس الشعب ثم الشوري ثم الرئاسة لنجد أنفسنا ننقسم أكثر ونتباعد أكثر وندور في حلقات مفرغة لا تنتهي من الخلافات حول اختيار الجمعية التأسيسية للدستور ، وحول طبيعة الدولة التي نريدها مدنية أو إسلامية ، وحول ترشيح فلان أو استبعاد فلان أو عزل فلان أو بقاء فلان ، وضاعت بوصلة الثورة ممن صنعوها وممن تولوا أمانة مسئوليتها ، وهكذا عدنا إلي البداية مرة أخري! من يريد كل شيء لا يحصل علي أي شيء، هذا هو الدرس الذي يجب تعلمه الآن، وهو درس غالي الثمن دفعت فيه مصر عاما ونصف العام من عمرها، وسالت فيه دماء عزيزة من أبنائها، ودخل السجون والمعتقلات شباب في عمر الزهور لا يعلم أحد عنهم شيئا ، أخذهم الحماس والرغبة في التغيير من أحضان أهلهم وحريتهم ، وأندفع الجميع نحو الصدام بكل ضراوة ، حتي أصبح الوطن كله في حالة احتقان لا تنتهي ، ولكن هل انتهت قصة الثورة؟ بالطبع لا ولن تنتهي ، فقد تغير المصريون بالفعل ولم يعد سهلا خداعهم بالدعاوي الزائفة ولا تضليلهم بالأماني الكاذبة ، ومازال حلم التغيير يراودهم حتي حين يعجزون عن تحقيقه ، وقد تكون بقايا الأمل في تحقيق هذا التغيير المنشود هي مايمنحهم القدرة علي الحياة ، ولن تنهزم الثورة أبدا ولن يموت الأمل إن شاء الله مهما طال الانتظار ، ومهما كان اسم الرئيس القادم ، ومهما ظن البعض أن دولة الظلم يمكن أن تحيا من جديد وأن دولة الفساد والقهر يمكن أن تعود . إنا لمنتظرون