لا شك أن انتخابات مجلس النواب والدور المترقب لهذا المجلس يشكلان أحد أهم الموضوعات المطروحة علي الساحة السياسية والفكرية والإعلامية، وأن هناك جوانب ينبغي أن يسلط الضوء عليها وبوضوح، منها ما يتعلق بالمرحلة الأولي من الانتخابات، ومنها ما يتعلق بالمرحلة الثانية، ومنها ما يتعلق بعمل المجلس. أما فيما يتعلق بالمرحلة الأولي من الانتخابات فلفت نظري ملاحظتان، أولها : قمة النزاهة والحياد والشفافية، وهو ما شهد به القاصي والداني، وربما بطريقة لم نشهد مثلها في أي انتخابات برلمانية سابقة، حيث لم يستطع أحد المراقبين والمتابعين من الداخل أو الخارج أن يشكك في موقف الدولة ورغبتها الجادة الصادقة في نزاهة الانتخابات، وبما أعاد الثقة للمواطن المصري بأن صوته محفوظ ومصان ومحترم وله قيمته، ولا يمكن تزويره، وأن الدولة بكل هيئاتها ومؤسساتها حريصة كل الحرص علي أن يذهب كل صوت حيث أراد ناخبه، في احترام غير مسبوق لصوت الناخب وإرادته واختياره، وبما يسفر عن احترام إنسانيته وحقه الكامل في ممارسة حقوقه السياسية، فلم نسمع صوتاً واحداً منصفاً شكك في نزاهة وشفافية ومصداقية هذه الانتخابات. أما الملاحظة الثانية فهي خروج كثير من عناصر ما يعرف بتيار الإسلام السياسي عن التزامهم وتعهدهم بعدم توظيف الدين أو استغلال المساجد في العملية الانتخابية، ويكفي أن أشير إلي أن مديرية أوقاف البحيرة وحدها قد اضطرت إلي إلغاء تصاريح الخطابة لأربعين خطيبا مكافأة من عناصر الدعوة السلفية لمساندتهم حزب النور، وهو ما تكرر بصورة أخري في محافظة الإسكندرية، مما اضطر مديرية أوقاف الإسكندرية إلي تحرير عدد من المحاضر لبعض عناصر الدعوة السلفية المؤيدين لحزب النور، وهو ما نرجو ألا يتكرر في المرحلة الثانية. وأما فيما يتصل بالمرحلة الثانية من الانتخابات، فإننا نؤكد علي تعظيم الأمر الإيجابي والحفاظ عليه، وهو تحقيق أعلي درجة من الحياد والنزاهة والشفافية، وعدم التأثير علي إرادة الناخب بأي شكل من الأشكال سوي ما يمليه عليه ضميره وواجبه الوطني، مؤكدين أن المشاركة الإيجابية واجب وطني، وعلي الناخب أن يختار الأكفأ في خدمة الوطن، مع تجنب الأحكام الشرعية من الحل والحرمة والتأثيم والجنة والنار عن العملية الانتخابية، فهي عملية سياسية وطنية، الوازع لها والدافع إليها ينبغي أن يكون وطنياً خالصاً، وعلي أرضية وطنية كاملة من غير إقحام الدين للتأثير علي سلوك الناخبين، فالظرف لا يحتمل لذلك، وما عاناه الناس أيام الإخوان وحلفائهم من توظيف الدين والقول بأن من قال نعم فله الجنة، ومن قال لا فله النار هي أمور ضاق الناس بها ذرعاً، وخلفت شقاقاً مجتمعياً لم نعد نحتمله مرة أخري.. وقد جددت وزارة الأوقاف تحذيرها من إقحام المساجد في الدعاية الانتخابية، وأكدت علي الوقوف بحسم في محاولة أي مرشح أو فصيل أو تيار يحاول توظيف المسجد لصالحه انتخابيا بأي شكل من الأشكال، كما أكدت علي جميع العاملين بها سرعة إبلاغ المديرية التابعين لها بأي مخالفات تحدث في هذا الشأن، وتحرير محاضر رسمية بذلك، ورفعها لرئيس القطاع الديني بديوان عام الوزارة، لتقوم الوزارة بدورها بنشر هذه المخالفات علي موقعها ورفعها للجنة العليا للانتخابات لاتخاذ ما تراه لازما بشأنها، مع تطبيق جميع المديريات لذلك بحسم ودون أي استثناءات، وإحالة من يخالف هذه التعليمات بالمشاركة في الدعاية الانتخابية أو السماح لأي مرشح باستخدام المسجد في ذلك إلي التحقيق، وسحب تصريح أي خطيب مكافأة يستخدم المسجد في توجيه الناخبين لصالح أي مرشح أو تيار، وشكّلت غرفة عمليات دائمة بديوان عام الوزارة لمتابعة ذلك. أما تحت القبة فنؤكد أن المصلحة الوطنية يجب أن تكون هي القاسم المشترك بين أبناء الوطن جميعاً، فالعلاقة علاقة تعاون وتكامل لإعادة بناء الدولة المصرية بناء قوياً وصلباً تتكامل فيه الأدوار بين السلطات، الجميع يسعي إلي تحقيق مصلحة الوطن، ونهضته، ورقيه، وضرب أوكار الفساد، ومراعاة محدودي الدخل، وتحسين أحوالهم المعيشية، وتحسين مستوي الخدمات، يُعِينُ بعضنا بعضاً، ويضع كل منا يده في يد الآخر، لنبني معاً، ونرقي بوطننا معاً، ونتقدم به إلي الأمام معاً، وأظن أن الشعب المصري قد شب عن الطوق، وصار يميز بين من يعمل للمصلحة العامة ويعلي المصلحة الوطنية علي كل اعتبار، وبين من تغلبه أي مصلحة أخري شخصية كانت أم حزبية، فهناك ضمير وطني نثق أنه سيكون أحد أهم محركات العمل لدي المؤسسات المختلفة، وهناك مراقبة شعبية لأداء الجميع ولتصرفاتهم، وهناك تاريخ يسجل لنا أو علينا، وفوق ذلك كله يبقي مدي احترام كل إنسان لذاته، وإيمانه بأن له رباً لا يغفل ولا ينام، وأنه سيلقاه بما قدم إن خيراً وإن غير ذلك، وذلك حيث يقول الحق سبحانه : « إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء : 7)، ويقول (جل وعلا) : « وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المزمل : 20). ويقول سبحانه : « مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَي لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ، كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» ( الإسراء : 18-20).