كنت أريد أن أكتب عن جولة الإعادة التي نشهدها لانتخابات مجلس النواب. لكن أحداث غرق الإسكندرية في مياه الأمطار مازالت تضغط علي أعصابنا جميعا. ولعل الصلة بين الأمرين .كارثة الإسكندرية وانتخابات الإعادة تبدو أكبر مما يظن الكثيرون!! ما حدث في الإسكندرية هو صورة لما يمكن حدوثه في أي مدينة مصرية. وهو حصيلة ما يقرب من أربعين عاما من السياسات الفاسدة والإدارة الفاشلة. رحلة طويلة مرت بها مصر كلها وبدأت حين حدث الانقلاب علي كل سياسات ثورة يوليو وبدأت رحلة الانفتاح السبهللي، ولخص الرئيس الأسبق أنور السادات الموقف حين قال لخلصائه وهو يحثهم علي انتهاز المناخ السياسي والاقتصادي الجديد .من لا يحقق الثراء في هذا العهد.. فلن يحققه أبدا! من يومها.. انطلقت الوحوش تنهش في جسد الوطن. وبينما كان العائدون من الحرب بعد ان حققوا العبور العظيم يبحثون عن نصيب ولو قليل من ثمار النصر، كانت عصابة الفساد تسعي لتلتهم كل شيء، وتؤكد سطوتها يوما بعد يوم حتي أصبحت في النهاية شريكا في الحكم، بل الشريك الأقوي حين تحقق لها زواج السلطة بالمال، وفتحت أمامها كل أبواب نهب الدولة وافقار الغالبية العظمي من الشعب. ما رأيناه في الإسكندرية هو صورة للميراث الذي تعاني منه مصر كلها. أربعون سنة من الفساد والاهمال والخروج علي القانون قادت مصر إلي هذا الوضع البائس. إذا كانت أجمل مدننا قد وصل بها الحال إلي ما وصلت إليه الإسكندرية.. فماذا عن باقي المدن؟ وماذا عن ريف يسيطر عليه البؤس؟ وماذا عن مال عام تم نهبه وكان كفيلا بحل كل مشاكلنا لو ساد القانون وانتصرت الدولة وعرف كل فاسد ان جريمته لن تمر، وأن حسابه سيكون عسيرا؟! ليست الأمطار هي التي أغرقت الإسكندرية - بل الفساد والاهمال وغياب القانون. لتكون الإسكندرية نموذجا للواقع الذي ثار الشعب عليه، ومازال يقاوم حتي الآن!! وحيث يرتفع في كل يوم عشرات الأبراج السكنية المخالفة، وتنتشر معها عشرات المناطق العشوائية. ولا أحد يحاسب الفاسدين علي فسادهم ولا أحد يهتم باسترداد ما تم نهبه، لكي نصلح -بقدر ما نستطيع- آثار سنوات الفساد العظيم!! بل ان البعض يراهن علي العكس تماما، فنري من يؤكد لنا ان التصالح مع الفساد هو الطريق الوحيد للتنمية!! وان التسامح مع لصوص الأراضي وناهبي المال العام هو الذي سيجعلهم يستثمرون ويتوسعون .دون أن يقول : هل سيتوسعون في الفساد أم في الانتاج !. وفي ظل هذا المناخ كان من الطبيعي ان تتصدر أسماء رموز الفساد قوائم الناجحين في الانتخابات، وان تتدفق الملايين الحرام لتزوير ارادة الناخبين. ومع ذلك فلا ينبغي ان نفقد الأمل. كل نائب ينتمي للثورة ويلتزم بارادة الشعب هو شوكة في حلوقهم. كل نائب يدخل البرلمان بأصوات الناس وليس بأموال الفاسدين ولاتجار الدين، هو هزيمة لمن يريدون إعادة الماضي بكل فساده. مصر كلها تعاني مما تعاني منه الإسكندرية وأكثر. ولن ينقذها من الغرق إلا الحرب الشاملة ضد الفساد والاهمال بنفس القوة التي نخوض بها الحرب ضد الإرهاب. معركتنا ليست اقالة محافظ أو عدد من المسئولين عن كارثة الإسكندرية. معركتنا التخلص من نظام أسقطناه بثورتين، ومازال يقاوم.. بالإرهاب والقتل، أو بالفساد والاهمال أو باستعادة النفوذ وفرض نفس السياسات التي قادت مصر إلي حافة الهاوية!!