كان لابد أن يرحل محافظ الاسكندرية بعد الكارثة التي عاشتها المدينة التي غرقت في مياه الأمطار في أول حضور لشتاء يبدو أنه سيكون قاسيا!! رحل المحافظ وسيرحل قطعا معه عدد من كبار المسئولين عن الفشل الكبير في مواجهة الموقف، لكن السؤال الكبير يبقي وهو: هل سيكون هذا هو الحل كما تتصوره الحكومة، ثم تمضي الامور علي ما كانت عليه إلي أن نصحو علي كارثة جديدة؟! الوضع المزري للمرافق في المدينة الكبيرة ليس نتاج اليوم، بل ميراث سنوات من الاهمال الذي ساد مصر كلها، والامر يحتاج لجهد هائل ومستمر لكي يتم اصلاح ما تم افساده في عهود لم تكن تهتم الا براحة البهوات وبناء المنتجعات، بينما الاحياء الاخري تتدهور، والمدن التي كانت جميلة تجتاحها العشوائيات. رحل محافظ الاسكندرية، ولكن ما يحتاج لايضاح ليس رحيله، بل مجيئه لمنصبه!! لماذا أوكلت إليه المهمة الشاقة وهل كان مؤهلا لها؟! وهل كان من جاء به يتوقع غير هذه النتائج التي أوصل المدينة اليها خلال الفترة القصيرة التي احتل فيها موقعه، وانشغل فيها بحل الازمات العديدة التي اشعلها، بدلا من التفرغ لحل مشاكل المدينة المزمنة!! حال محافظ الاسكندرية هو حال ثلاثة أرباع الوزراء والمحافظين والمسئولين الكبار، يأتون لمواقعهم دون أن نعرف لماذا؟ ويغادرونها- في معظم الأحيان- بعد أن تقع الكوارث!! في عهود ليست جيدة، كان نجاح المحافظ هو طريقه ليكون وزيرا ناجحا بعد ذلك بعد أن يكون قد اكتسب الخبرة السياسية والتنفيذية التي لم نعد نراها في أغلب المحافظين والوزراء!! لتصبح البلاد في عهدة موظفين ينتظرون التعليمات أو يقضون أيامهم الأخيرة في الخدمة، أو لأصحاب النصيب الذين يأتون ويرحلون، دون أن نعرف لماذا جاءوا.. ولماذا رحلوا؟! أو نعرف فقط سبب الرحيل إذا ارتبط بكارثة لا يمكن تجاهلها!! قضية ثالثة ينبغي أن نتوقف عندها مع كارثة أمطار الاسكندرية، وهي الحاجة الشديدة إلي مراجعة الأولويات لدينا، لقد سمعت مسئولا بالاسكندرية يقول انهم كانوا يحتاجون لمعدات لا يزيد ثمنها علي 85 مليون جنيه ليتمكنوا من التصدي لما وقع، لكن المبلغ لم يتوفر، كما لم تتوفر الامكانيات قبل ذلك للتخلص من القمامة وللتعامل مع العديد من المشاكل التي لابد من مواجهتها!! يحدث ذلك في وقت نعرف جميعا حجم الأموال المهدرة فيما لا يفيد، ومقدار العجز الذي نبديه في ملاحقة ناهبي المال العام ومن استولوا علي أراضي الدولة والمتهربين من سداد الضرائب وغير ذلك من أوجه الفساد. ويحدث ذلك ومازال البعض يقيم مندبة لمجرد الحديث عن قيود ينبغي ان تفرض علي استيراد السلع الاستفزازية، ويطالبون بدلا من ذلك باستمرار الضغط علي الفقراء وتحميلهم كل الاعباء!! ويحدث ذلك ليقول للجميع ان الأولوية ينبغي أن تتوجه- قبل أي شيء- لدعم المرافق العامة التي تخدم غالبية المواطنين بجانب التعليم والصحة، وأن استعادة بهاء الاسكندرية ينبغي أن يكون مثالا لإصلاح كل مدن عواصم الأقاليم ومدها بكل أسباب الحياة والتقدم لتخفف العبء عن القاهرة وتوقف الهجرة اليها. وسيكون ذلك أنفع بلاشك من اقامة عاصمة إدارية جديدة الآن لو أخذنا الامور بجدية، ولو تولي شئون المحافظات من نعرف لماذا جاءوا؟ وماذا سيفعلون؟.. قبل ان نعرف لماذا رحلوا بعد أن ندفع فواتير فشلهم، في وقت لم يعد فيه مجال لفشل جديد!!