الصراع علي منصب الرئيس بدأ.. والحملات الانتخابية للمرشحين اشتعلت في كل أرجاء المحروسة. التمويل الانتخابي بلغ أرقاما فلكية وصلت إلي ملايين.. بعضها معلن.. وأغلبها مصدره سري جدا.. وهو ما دعا إلي سؤال مهم.. من أين للمرشحين للرئاسة بهذه الأموال.. وبعضهم كان موظفا عاما.. والآخرون لم يكونوا من الأثرياء.. ولا أصحاب الميراث.. ولا من النبلاء والأمراء!.. فهل يلعب المال السياسي دورا مهما في اختيار الرئيس القادم لمصر؟! د. جابر جاد نصار الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة.. يوضح لنا ان النظام القانوني لتمويل الحملات الانتخابية الرئاسية جاء نظاما قاصرا ولا يحاسب أي مرشح علي انفاقه الانتخابي بطريقة دقيقة.. وكل ما ورد ان اللجنة العليا تقوم بالسماح للمرشح قبل بدء الدعاية بفتح حسابا للصرف علي الدعاية وأغلبهم بدأوا حملتهم قبل بدء البرلمان بعدة أشهر وصرفوا أموالا تقارب الملايين ولم يسألهم عن مصدرها ومن أين أتت بل ان بعض المرشحين المستبعدين صرفوا عشرات الملايين قبل استيفاء شروط الترشح وهذا أمر بالغ الخطر والخطورة علي مستقبل مصر ورئيسها القادم لأن تأثيرات المال السياسي ستحركه. وكان يجب علي اللجنة الانتخابية ان تسألهم من أين لهم بهذه الأموال علما بأن الحسابات البنكية التي سمحت اللجنة بفتحها للمرشحين لمراقبة المال الانتخابي للآن لم يدخل بها أموال وهذا معناه ان الأموال المتداولة في الحملات الانتخابية تدخل بطريقة غير مشروعة. انفاق الملايين يضيف د. جابر كان يجب ان تسأل اللجنة أحد المرشحين عن مصدر الأموال التي دفعها في حملته الانتخابية لشراء مواقع اعلانية وصلت إلي 3 ملايين جنيه. جميع المرشحين خالفوا قانون الانتخابات الرئاسية فيما يتعلق بتدفق المال الانتخابي علي جيوبهم التي كانت خالية.. وأصبحوا يصرفون في اليوم الواحد مئات الآلاف في دعاية انتخابية بالغة التكلفة وهو ما يعظم دور وتأثير المال السياسي ونفوذ رجال الأعمال ودول خارجية علي الرئيس المنتخب. مجمل القول إن العملية الانتخابية في مصر لانتخاب رئيس جديد بعد الثورة لا تتسم بالشفافية ولا بالانضباط. والمطلوب كما يري الدكتور جابر جاد تطبيق القانون العام ومحاسبة المرشحين.. وسؤالهم السؤال المعروف: سيدي المرشح من أين لكم بهذه الأموال، وأغلبكم إما موظفون عموميون من محدودي الدخول أو ممن يعملون بمهن محدودة الربح ولا تدر هذه الموارد؟ هل أصبحت مهنة الترشح للرئاسة مدخلا للثراء بحلاله وحرامه من الداخل والخارج؟! استعانة بأجهزة الرقابة من وجهة نظر أخري قانون انتخابات الرئاسة وضع ضوابط محدودة لتجاوز الانفاق والمخالفة.. ولم يضع آليات للرقابة.. ولا حدد جهازا يستطيع ممارسة المتابعة ورصد حجم الانفاق الانتخابي ولا مصادر تمويله.. كما يقول الدكتور نور فرحات استاذ القانون وعضو حزب التجمع. ويري ان الجميع يستشعر وجود مبالغ تنفق بملايين لدعم مرشحو الرئاسة.. منهم الاخوان أو حزب العدالة.. ولهم مصادر تمويل واسعة.. وغير معلن عنها.. ولا تخضع لرقابة القانون.. ورغم ذلك تعمل وتواصل نشاطها لخدمة مرشحيها! هناك أيضا أحزاب دينية أخري صرح لنا مساعد وزير العدل المكلف بمتابعة تحقيقات قضية التمويل الأجنبي انها تلقت حوالي 592 مليون جنيه من بعض الدول العربية.. ولم يصرف منها وفقا لسجلاتهم سوي 05 مليون جنيه في بعض الأعمال الخيرية. هذه الأموال وغيرها تصرف في أوجه أخري غير معلومة لنا.. وبعض المرشحين للرئاسة مدعومون بتمويلات مجهولة.. وبعضهم أدار حملته الانتخابية الرئاسية منذ فبراير 1102..وقطعا السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة! ويري الدكتور نور فرحات ان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.. يمكنها الآن الاستعانة بجهازي الرقابة الإدارية وجهاز المحاسبات للمساهمة في الرقابة علي الأموال التي تنفق لدعم مرشحي الرئاسة.. من خلال قنوات محددة تخضع للشفافية.. لأن ما يجري مخالف.. ومخالف ويؤثر علي نزاهة الانتخابات. التجاوزات والمخالفات واضحة اللجنة المسئولة عن الانتخابات الرئاسية مسئولة عن حصر ومراقبة انفاق مرشحي الرئاسة.. كما يقول المهندس أبوالعلا ماضي رئيس حزب الوسط واللجنة الرئاسية أعلنت لنا انها كلفت لجنة خاصة بمتابعة الانفاق وحصره واتخاذ إجراءات ضد أي مخالفات. لكننا لم نسمع شيئا عن نشاطها. ويضيف هناك مرشح بالذات كان موظفا عاما وتجاوز انفاقه الانتخابي مبلغ العشرة ملايين المحدد..وهذا وضح للجميع من خلال حملة اعلاناته المنظورة أمامنا. هناك تمويل من داخل مصر وربما من خارجها أيضا.. ودليلي علي ذلك.. ان الرقم المحدد لتمويل المرشح في الانتخابات البرلمانية التي جرت.. كان خمسمائة ألف جنيه.. وذلك للانفاق علي الدعاية في دائرة واحدة بها قسمان أوثلاثة أقسام للشرطة. لو ضربنا رقم 000.005 ألف جنيه في 921 دائرة انتخابية علي مستوي الجمهورية نجد ان المرشح الرئاسي يحتاج لانفاق ما يقرب من 56 مليون جنيه علي الأقل ليتواصل بحملته الانتخابية مع الناخبين في جميع أنحاء بلدنا..! وفي تقديري ان المرشحين تجاوزوا السقف المحدد للانفاق دون اعلان عن مصادر التمويل والمدعمين وغيرهم وهذا معناه عدم شفافية متعمدة في انتخاب الرئيس القادم. الذمة المالية للمرشحين الانتخابات الرئاسية تحتاج لتمويل ضخم كما يقول المستشار بهاء أبوشقة نائب رئيس حزب الوفد.. فالأحزاب نفسها قد لا تستطيع تمويل مرشحها بدليل ان حزب الوفد القديم والعريق لم يستطع تمويل مرشح لحزبه. ويري ان القانون ضعيف وهلامي ولم ينظم السلطة المختصة بالرقابة والتحقيق وهناك قصور تشريعي فقد كان يتعين إلزام المرشح تقديم إقرار بالذمة المالية لثروته.. ومصادر تمويل حملته حتي لو كان من غير العاملين بالدولة.. فهناك أنشطة خاصة وقد تكون مشبوهة.م الأمل في ان نضع في الدستور الجديد ضوابط تضمن التحقق من الذمة المالية للمرشحين وآلية مراقبة للإنفاق الانتخابي ووضع عقوبات رادعة لمخالفتها. لكن الان حتي لو تمت المخالفات فلجنة الانتخابات تتمتع بالحصانة. المشكلة.. نزاهة الانتخابات لابد ان نتوقف أمام حالات معينة والكلام للدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو البرلمان.. أولها المرشحون الذين بدأوا حملتهم منذ عام وثلاثة شهور وانفقوا مبالغ ضخمة.. وثانيهما: هؤلاء المرشحون من غير حزب أو جماعة تنفق علي حملتهم.. من أين جاءهم التمويل؟! ويضيف: مرشحو الأحزاب كالاخوان معروف تمويلهم من اشتراكات وتبرعات الأعضاء.. وهي تخضع للرقابة.. هذا عدا الجهد البشري المنظم والمساند لحملاتهم في كل محافظات مصر.. وبالتالي يسهل لهم الفوز.. البرلمان لم يتصدي لمشكلة التمويل الانتخابي بسبب ضيق الوقت.. وصعوبة اعداد ومراجعة حزمة كبيرة من القوانين المتعلقة بالحياة السياسية والتي منها ضمانات الرقابة علي التمويل. لكن الأهم الآن وما يجب ان يشغلنا وهو المسيطر علي تفكير البرلمان وهمه الأكبر هو ضمانات نزاهة الانتخابات. مزاد علي الرئيس في رأي نائب البرلمان وعضو حزب التجمع البدري فرغلي.. ان هذا الموضوع يثير الغضب.. لأن أغلب المرشحين للرئاسة أو جميعهم »علي باب الله«.. ولم نسمع ان منهم أثرياء.. ولا أصحاب ميراث.. أو كانوا من النبلاء ولا الأمراء! يتساءل.. من أين أتوا بتمويل الحملات الانتخابية.. والدولة رفعت ايديها عن دعم المرشحين.. بعد ان كانت في الماضي تمنح نصف مليون جنيه لكل مرشح رئاسي ديكور؟! من أين يستطيع أي منهم انفاق ما يتجاوز خمسين مليون جنيه هي الحد الأدني المطلوب لعمل دعاية في الصحافة والإعلام والفضائيات ولافتات الطرق العملاقة وعقد لقاءات وندوات وغيرها؟! هناك انفاق علني وسري.. ويدعون أن مصدره المتبرعون والداعمون.. وهؤلاء مصادر مجهولة! الغريب ان مصر بها أكثر من 31 جهازا رقابيا أهمهما وأخطرهما المخابرات والأمن الوطني.. ثم الرقابة الإدارية وجهاز المحاسبات.. ومع ذلك تجاهلوا خطورة التمويل الموجود. وما يجري في الصرف الانتخابي. المال السياسي وخاصة المؤثر في اختيار الرئيس.. يخضع لأقصي وأصعب وأعنف درجات الرقابة والتجريم في الدول الديمقراطية ولكن يبدو ان المحرمات في الخارج حلال عندنا في الداخل. النائب البدري يؤكد ان من مصلحة القوي الخارجية ان يتدفق نهر التمويل الهائل لتهميش الرئيس القادم.. بأموال أجنبية فذلك أفضل ألف مرة من غزو مصر داخليا. كرسي الرئاسة في مصر أغلي من المليارات المملوكة لدول في المنطقة.. وكان المفروض ان يتصدي البرلمان لحماية الرئيس القادم من الوقوع في مصيدة التمويل المشبوه.. فهناك مزاد تشارك فيه قوي سياسية داخلية وخارجية للسيطرة علي الرئيس المنتخب. والأمل في عيون الشعب فهو قادر علي اكتشاف الدولار واليورو والريال والدينار! الوصول لانتخابات نظيفة في نهاية الكلام عن أموال حملات المرشحين للرئاسة.. نتساءل كيف نصل لانتخابات نزيهة ونظيفة؟! المستشار فتحي رجب عضو مجلس الشوري علي مدي عشرين عاما.. يقول لنا: ان دولا مهمة كأمريكا وأوروبا يسمي المشرعون فيها قوانين الانتخابات بالتشريعات النظيفة، ويضعون قواعد وحدود التمويل المالي والايصالات التي تعطي للممول وشفافية التمويل والسقف المسموح به.. وقسموا التمويل إلي جزءين أولهما من صاحب المعركة الانتخابية أو الحزب الذي يرشحه، وثانيهما: التمويل الشعبي بنظام منضبط ودقيق ويخضع لرقابة صارمة من جميع الأجهزة القضائية.. لكن الذي يحكم الانفاق في الانتخابات الرئاسية في مصر هو قانون الانتخابات الرئاسية وتعديلاته حتي يناير 2102. والذي يثير التساؤل والريبة والشك ان مصادر التمويل لم تكن محل تقنين من هذا القانون بل ان كل ما ورد من تنظيم في التشريع بعد تعديله هو إلزام المرشح بفتح حساب بالعملة المحلية في أحد البنوك التي تحددها لجنة الانتخابات الرئاسية يودع فيه ما يتلقاه من تبرعات نقدية وما يخصصه من أموال ومصادر هذه الايداعات وأوجه الانفاق مع عدم جواز الانفاق علي الحملة الانتخابية من خارج هذا الحساب.. ولما كانت هناك بعض الأحزاب قد قامت بترشيح بعض أفرادها للانتخابات الرئاسية فإن المادة 62 ألزمتها بإخطار لجنة الانتخابات الرئاسية بما تتلقاه من تبرعات يجاوز كل منها ألف جنيه خلال الثلاثة شهور السابقة علي الاقتراع. أيضا ألزمت المرشح ان يقدم إلي لجنة الانتخابات الرئاسية خلال 51 يوما من تاريخ اعلان نتيجة الانتخاب بيانا بمجموع الايرادات ومصدرها وطبيعتها وما أنفقه منها علي الحملة وأوجه هذا الانفاق. عقوبات هزيلة وجوازية ثم جاءت المادة 42 التي لم يشملها التعديل ووضعت حدا أقصي للإنفاق الانتخابي الرئاسي عشرة ملايين جنيه، وفي الإعادة 2 مليون جنيه، كما ألغي القانون بعد تعديله نص المادة 52 المتعلق بالمساعدة المالية من الدولة. أما العقوبات الهزيلة التي وضعها القانون ولم يتم تعديلها في تعديل يناير 2102 فقد كانت الحبس الجوازي أو الغرامة في حالة انفاق مبالغ غير المودعة في الحساب البنكي أو انفاق مبالغ مودعة في غير أغراض الدعاية أو جاوز الحد الأقصي المقرر للانفاق وبذلك كان هذا العقاب المصاب بالهزال غير رادع، وكانت المراقبة الواردة في القانون غير فعالة وبالتالي أقول ان قانون الترشيح للانتخابات الرئاسية في أقل القليل يحمل للسادة المرشحين حق مخالفته وخرق احكامه دون أي التزام جدي أو عقاب صارم. وكذلك يحمل للأحزاب السياسية حق المخالفة دون التعرض لعقاب جدي. مطلوب تحرك البرلمان ويضيف هنا ينبغي لنا ان نتوقف، أليس هذا القانون هو المدخل الملكي للتدخل الخارجي في أمور انتخاباتنا الرئاسية وما الذي نقوله للذين يتحدثون عن هذا التدخل ويسمون دولا بعينها وأشخاصا بعينهم ماذا نقول لهم عن سلامة انتخاباتنا الرئاسية ونتائجها ما لم يتحرك برلماننا الموقر وفورا عن طريق لجنة الاقتراحات والشكاوي وعن طريق نواب بالتقدم بتعديل سريع لقانون الانتخابات الرئاسية يتضمن نصوصا تشدد الرقابة علي الانفاق، وتشدد العقوبة علي خرق هذه الأحكام، بل وتسمح بتوجيه تهمة الخيانة العظمي لمن يتجرأ علي مد يده أو فتح خزائنه لتدفق هذه الأموال مخترقا سقف الانفاق وقواعده.. ومازال الوقت يسمح بإصدار هذا التعديل قبل الانتخابات الرئاسية ولا اعتقد ان هذا التعديل سيجد مقاومة من أي وطني مخلص. هل نبيع مصر؟ المستشار فتحي رجب يقول فضلا عن ان هذا التعديل ينبغي ان يشمل أيضا من أجل ضبط الانفاق نصوصا تسمح للدولة ان تنفق علي كل حزب بقدر الأصوات التي يحصل عليها كما في القانون الألماني، وتسمح لكل مرشح بأن ينال عونا ماديا ومعنويا من الدولة بالقواعد التي يضعها المشرع لضمان عدم انسياب الأموال الأجنبية والتي بمقتضاها تتم السيطرة علي مصر عن طريق الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية.. عشرة ملايين جنيه المصرح بها في القانون والتي قد تصل إلي 21 مليونا رسميا من أين يمكن الحصول عليها لفرد أو حزب صغير؟ هذا إذا كان الأمر سيقتصر علي انفاق قدره 21 مليون جنيه، أما الواقع فإني اعتقد ان الأمر سيتجاوز، بل ان الاثني عشر مليونا ربما تكون قد انفقت من أشخاص قبل اعلان النتائج النهائية لقبول أوراق الترشيح فما بالنا بعد الترشيح. هل نبيع مصر بهذا الثمن البخس وتتراجع الدولة عن دورها ويتراجع القانون عن الإمساك بتلابيب الخونة، سؤال محير لن يجاوب عليه إلا الدكتور سعد الكتاتني ومجلسه الموقر قبل فوات الأوان!