« لو عاش عبد العاطي بيننا وحضر افتتاح القنال لروي الأرض بدموعه، ولحمل ابنه وسام علي كتفه وسام». مات في فرشته مريضاً، لم ينل شرف الشهادة، حصد عبد العاطي شرف «صائد الدبابات» الشرف كل الشرف ونجمة سيناء،فلاح أصيل، طين الغيط علي كعابه، وإكليل الغار علي بابه، في زمن تقاس القامات بأرصدة البنوك، رصيد عبد العاطي في بنك البطولة 30 دبابة إسرائيلية، قنصها في ثلاثة ايام، هي كل ايام عمره، قبل ان يرحل عنا راضيا مرضيا بما قدمت يداه في التاسع من ديسمبر 2001. في مذكرات «صائد الدبابات» قبس من نور ونار،يقول عبد العاطي: أسعد ايام عمري عندما احتضنت الصاروخ «هوك» الذي كان وقتها هدية من السماء، من أحدث الصواريخ المضادة للدبابات، اسموه « صاروخ عبد العاطي»، صاروخ كان يحتاج إلي نوعية خاصة من الرجال تملك المؤهلات، كان مهندساً زراعياً، والاستعداد والحساسية وقوة التحمل والأعصاب، عبد العاطي فلاح شرقاوي اصيل عصبه حديد، ولَف علي الصاروخ، وكان ترتيبه الأول علي جميع الرماة. عبد العاطي ورفاقه من القناصة كانوا يحلمون بيوم الكرامة، «كنت أتطلع إلي اليوم الذي نرد فيه لمصر ولقواتنا المسلحة كرامتها»، وعندما حلقت الطائرات المصرية في السماء، انتابتني موجة قلق عاتية عالجتها بآيات بينات من الذكر الحكيم، هدأت نفسي وشددت الصاروخ كوليدي علي كتفي، وصرت أتلمظ لأول طلقة. كتب في مذكراته أن يوم 8 أكتوبر 1973 كان من أهم أيام رجال اللواء 112 مشاة، وكانت البداية الحقيقية عندما أطلقت الصاروخ الأول علي أول دبابة وتمكنت من إصابتها، هنأت نفسي وزمجرت الله أكبر، الله اكبر، كانت تدوي في الصحراء، ويتردد صداها في نفوس الرجال السمر الشداد. في هذا اليوم ولدت من جديد، حدثتني نفسي بالنصر، ثبت الصاروخ، ومن زاوية جبلية صعبة وبدقة شديدة اطلقته مباركا باسم الله حتي لا يصطدم بالجبل، ونجحت في إصابة الدبابة الأولي، وبلغ رصيدي في ذلك اليوم تدمير 7 دبابات في نصف ساعة، ومع تلك الخسائر الضخمة قررت القوات الإسرائيلية الانسحاب. ثم جاء يوم 9 أكتوبر، وبدأت بإطلاق أول صاروخ في هذا الصباح، وأصبت به دبابة، وحاولت الدبابة التالية أن تبتعد عن الخط المرسوم، هربا، توالت صواريخ عبد العاطي وتفنن في اصطياد باقي الدبابات واحدة تلو الأخري، حتي بلغ رصيده في هذا اليوم 17 دبابة. وفي 10 أكتوبر، فوجئ مركز القيادة بإشارة من قائد الكتيبة 34، هاجمتها ثلاث دبابات إسرائيلية، وتمكنت من اختراقها، وكان عبد العاطي قد تعوّد علي وضع مجموعة من الصواريخ الجاهزة للضرب بجواره، وقام بتوجيه ثلاثة صواريخ إليها، فدمرها جميعاً، وخرج من مكمنه بين جبلين ليصيد دبابة ماكرة حاولت التسلل إليهم يوم 15 أكتوبر، وفي يوم 18 أكتوبر اكمل المهمة، دمر دبابتين وعربة مجنزرة ليصبح رصيده 27 دبابة و3 مجنزرات. رصيد عبد العاطي لا ينفد، رصيد البطولات الشخصية في نصر اكتوبر لا ينفد، و42 عاما مرت علي النصر ولم تتحول قصة عبد العاطي إلي فيلم يمجد عنوان البطولة والشجاعة والفداء، عبد العاطي رمزية لحرب الكرامة، كيف استطاع أسد مصري أن يخمش وجه عدو باطش، وأن يقف وصاروخه علي كتفه في مواجهة أقوال من دبابات سوداء تصب الجحيم، لا خشي ولا هان ولا لانت عزيمته، وبلغ من البطولة مبلغاً يطاول عنان السماء، وطوق عنقه بنجمة سيناء، ولو عاش عبد العاطي بيننا وحضر افتتاح قناة السويس لروي الأرض بدموعه، ولحمل ابنه وسام علي كتفه وسام، ولعادت به الذكريات إلي أيام الفخار، طوبي للشهداء.