■ هاروكي موراكامي كتب داميان فلاناجان في جريدة "الجابان تايمز" يتساءل عما إذا كانت جائزة نوبل في الأدب لهذا العام ستكون من نصيب الياباني الشهير هاروكي موراكامي، فقد حان هذا الوقت من السنة الذي تمتلئ فيه وسائل الإعلام اليابانية بالتكهنات حول امكانية حصوله علي الجائزة، ليصبح أول فائز ياباني بها منذ 1994، عام فوز كنزابورو أوي. من المؤكد أن الاهتمام الإعلامي المكثف باحتمالية فوز إحدي قامات الأدب الياباني بجائزة نوبل ليس جديدا، فقد ضمت معركة الفوز بالجائزة الأدبية الأهم عددا كبيرا من رواد الأدب الياباني، كما كان لها معني خاص بالنسبة لليابانيين كرمز لإعادة التأهيل والبناء عقب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. حصلت اليابان علي جائزة نوبل عام 1949، مُنحت للفيزيائي هيديكي يوكاوا، لكنها لم تحصل علي نوبل أخري حتي أوائل الستينيات حين ظهرت البلاد مرة أخري علي الساحة العالمية عندما اختيرت طوكيو لاستضافة دورة "الألعاب الأوليمبية في طوكيو" عام 1964، وظل الاهتمام حين استمرت اليابان في نموها الاقتصادي المطرد حتي عقد الثمانينيات، لذا فحصول أحد الأدباء اليابانيين علي الجائزة مرة أخري كان تتويجا للبلاد التي بدأت نهضة عظيمة من الصفر. كان يوكيو ميشيما (1925-1970) أكثر الطامحين إلي جائزة نوبل، وبدا في أوائل الستينيات مصمما علي الحصول عليها حين كان لا يزال في الثلاثينيات من عمره، فساهمت ترجمة رواياته إلي الإنجليزية، مثل رواية "صوت الأمواج" ورواية "اعترافات قناع"، في جعل ميشيما أول الكتاب اليابانيين الأحياء شهرة في الغرب علي نطاق واسع. كما كان يسانده صديقه المترجم والناقد دونالد كين، والذي كان يمارس الضغوط من أجل منح ميشيما الجوائز العالمية الكبري مثل "جائزة فورمنتور"، غير أن ميشيما لم يحصل علي نوبل. ظهر اسم ميشيما في القوائم التي تنشرها الصحف الغربية عن الكتاب المستحقين لجائزة نوبل، كما زار الرجل معقل الجائزة ولجنة تحكيمها في ستوكهولم، في مهمة استطلاعية، وأغدق الاهتمام علي السفير السويدي لدي اليابان كارل فريدريك المكفيست. فر ميشيما متعبا من اليابان إلي تايلاند عندما فازت بلاده بالجائزة مرة أخري في الفيزياء عام 1965 وحصل عليها "شينيتشيرو توموناغا"، لكن جنون الإعلام حول ميشيما لم يتوقف، ففر بعيدا لتجنب التعليق علي الأمر، لكن هذا لم يمنع الصحف من تعقبه، حيث غيرت صحيفة ماينيتشي شيمبون وجهة أحد مراسليها الذي كان يغطي حرب فيتنام لتعقب ميشيما، حيث اكتشفه المراسل جالسا في مطعم بأحد فنادق بانكوك الفخمة منتظرا النتيجة حتي يحتفل حال فوزه. لا تفصح لجنة نوبل عن إجراءاتها إلا بعد مرور 50 عاما عليها، ومن المعلومات التي نشرت في يناير من هذا العام أنه كان هناك ثلاثة من الكتاب اليابانيين -إلي جانب ميشيما- مرشحين للجائزة عام 1964، وكانت من الأمور الأكثر إثارة للدهشة الكشف عن مدي قرب الكاتب جونيتشيرو تانيزاكي من حصد الجائزة، حيث كان علي القائمة القصيرة النهائية التي تحوي اسمين اثنين فقط، إلا أنه من المحزن أن تانيزاكي توفي في العام التالي. بدأت فرص ميشيما في الحصول علي نوبل في التقلص في أواخر الستينيات، عندما تزايد اهتمامه بالسياسة، ويروي المترجم كين أن لجنة تحكيم نوبل تصورت ميشيما اليميني الذي قام بتشكيل جيشه الخاص تصورا خاطئا حين اعتبرته شيوعيا، فكان من الحكمة في ذروة الحرب الباردة منح الجائزة لكاتب أقل حدة منه، لذا فقد حصل عليها معلمه ياسوناري كاواباتا. قد يكون فوز كاواباتا بالجائزة في 1968 أصاب ميشيما بألم وغيظ شديدين، ورغم ذلك فقد كتب مقالا بديعا يثني فيه علي كاواباتا بإحدي الصحف، ثم زار منزل كاواباتا لتهنئته، فأعلن الأخير كاذبا أنه لا يريد الجائزة. ويؤكد فلاناجان في مقاله أنه لم يكن معروفا في ذلك الوقت علي نطاق واسع أن كاواباتا قد اجبر ميشيما علي كتابة رسالة للجنة تحكيم الجائزة، يوصي فيها بمنح نوبل للكاتب الأكبر سنا، مقابل الحصول علي دعم كاواباتا في نزاع قانوني تعرض له ميشيما في بداية الستينيات، وكان مما زاد الوضع تعقيداً معرفة أن ميشيما كان قد كتب جزئيا رواية "الجميلات النائمات" لكاواباتا. بعد سنتين من إعلان نتيجة جائزة نوبل المشئومة في 1968 انتحر ميشيما، ثم تبعه كاواباتا بعامين، وكان من المدهش تنبؤ ميشيما بشكل صحيح بأن الفائز الياباني القادم بنوبل سيكون عدوه اللدود كنزابورو أوي، فقد صرح بذلك حين حاول أحدهم بث الراحة في قلبه عام 1968 مؤكدا أنه سيفوز بالجائزة في المرة القادمة. ورغم تكهنات ميشيما الصحيحة ظل انتصار أوي في عام 1994 مثيرا للجدل، فقد كان يعتقد الكثيرون في الغرب استحقاق الكاتب المسيحي "شوساكو إندو"، صاحب الرواية الكلاسيكية "الصمت"، للجائزة أكثر من أوي الذي لم تتمتع كتاباته بمقروئية عالية، بينما رأي آخرون أن الجائزة كان من الأفضل أن تذهب إلي "كوبو آبي" كاتب الفانتازيا والعبث، لكن آبي توفي عام 1993 وتلاه إندو الذي وافته المنية بعده بثلاث سنوات دون أن يحصل أحدهما علي نوبل. وها نحن الآن، مع فائزين يابانيين اثنين طوال 114 عاما هي عمر الجائزة. لكن وضع موراكامي يبدو مختلفا كلية عن كل هؤلاء الكتاب، فهو يتمتع بشعبية عالمية لم يسبق لها مثيل، مما يبدد الكثير من أهمية جائزة نوبل لليابان، فبينما يتجمهر مشجعو موراكامي في الغرب علي المكتبات للحصول علي أحدث إصداراته، يبدو هو وبلاده في حالة من الزهد في الحصول علي ختم نوبل الذي يجعل القارئ الغربي ينتبه إلي أعماله التي لا تحتاج إلي المزيد من الشهرة والانتشار. وقد جلب النشاط الدءوب لموراكامي في الدعاية لكتابات غيره من الكتاب اليابانيين، مثل "ناتسومي سوسيكي" و"ريونوسوكي أكوتاجاوا"، الاعتراف الدولي بالأدب الياباني أكثر مما فعلت جائزة نوبل في أي وقت مضي. لكننا لا نزال نجد أنفسنا، مرة أخري، نتساءل هل تكون هذه هي السنة التي يفوز فيها موراكامي بالجائزة الأدبية الأهم. ■ سلمي هشام فتحي