بين القناة الجديدة والأم جسر اسمه الحضارة، التي يصنعها التراكم، وتجمع حبات العرق، وملاحم الجهود المضنية والعمل الشاق، والنتيجة الباهرة التي اشرقت علي العالم منذ أيام، ليست ومضة مفاجئة، ولكنها فصل في ملحمة كبري وتاريخ عريق،ومشهد رائع في حياة شعب قرر ان يكون صانعاً للأحداث بديلاً عن أن يكون متفرجاً علي مقاعد الخمول، ومنذ بدايات تحقق الحلم المصري في حفر قناة السويس الأم، وحتي الآن الحكاية مستمرة، والعرق نهر يصنع المستقبل، علي الجسر الفاصل بين الأمس البعيد واليوم وقف عدد من أدبائنا ليتأمل المشهد،ويرصد لحظات الشروق. في البداية يقول الشاعر الكبير محمد أبو سنة: الوطنية مرتبطة بالاحداث قناة السويس ليست حدثا جغرافيا، وإنما هي منطقة بالغة الاهمية لموقعها الجغرافيمن ناحية ولارتباطها بالاحداث الوطنية والمعارك العسكرية والهمة المصرية والانتصارات والانكسارات وهي غير منفصلة عن الاحداث التي شهدتها المنطقة التي تمر بها من بورسعيد الي السويس، فبورسعيد علي سبيل المثال وهي رأس الحربة.. رأس قناة السويس شغلت مساحة كبيرة جداًمن الإبداع شعراً في الخمسينيات عندما شن الغزاة المستعمرون فرنسا وبريطانيا وإسرائيل حربهم الظالمة ضد مصر عام 1956، احتجاجاً علي تأميم القناة، وبمجرد أن قامت هذه الحرب اشتعلت القرائح الشعرية والادبية والفكرية للرد ثقافياً علي هذه الهجمة والغزوة، ولهذا يجب ان نراجع هذه الاناشيد والقصائد التي كتبت ونشرت في المجلات الثقافية في ذلك الوقت وربما الصحف ايضاً وبهذا كانت بورسعيد علامة كبري في التاريخ الوطني الحديث وما نتج عن معاركها من إبداع شعري وأدبي، ويضيف أبو سنة: نستطيع أن نراجع هذا الإبداع في كتابات الشعراء والأدباء منهم علي سبيل المثال ديوان كامل لصلاح جاهين عن القناة عنوانه «موال القناة» ويؤكد: لا استطيع ان أفضل هذا الممر المائي العالمي عن المواقع، والاحداث الكبري التي شهدتها المنطقة، ولنا أن ننظر الي قناة السويس باعتبارها عنصراً من التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدولية، ومن المشهد التنموي في مصر ومشهد مأساوي ايضاً من الفترة من حرب 1967 إلي 1973، حيث تحملت هذه المنطقة مأساة تهجير سكان المدن الثلاث: بورسعيد والاسماعيلية والسويس، إلي داخل الدلتا وكانت هذه بحد ذاتها معركة مع المحتل الاسرائيلي، ونستطيع ان نقول إن هناك عدداًكبيراً من الأعمال الفنية والادبية كتبها ادباء هذه المنطقة ومنهم: الأبنودي كما أن هناك قصصاً قصيرة وروايات ودواوين كتبت في ظل هذه المحنة، إذن نحن امام مشهد عريض لقناة السويس يمتد من بورسعيد حيث المقاومة الوطنية لحرب 1956 وما نتج عنه من اناشيد وقصائد وربما مسرحيات، وهناك مشاهد حربي 1967 و1973، ومشهد التهجير وما نتج عنه من مآس اجتماعية وهناك الكفاح المسلح الذي خاضته السويس وما نتج عنه من أعمال شعرية ويضيف: إذا كانت قناة السويس مركزاً لكل هذه الاحداث ولا يمكن ان ننسي الشهداء الذين فقدانهم في تلك الحروب ولي قصيدة عنوانها: «رؤيا شهيد»،.. أقول إذا كانت قناة السويس قد ضمت في احشائها كل هذه الأحداث الكبري وتحولت الي رمز لتاريخ ملتهب يمثل الوطنية والعسكرية المصرية والشهداء والبطولات والمآسي وانفجار الأعمال الادبية، كانت مرتبطة بهذه الاحداث حول القناة ومن أجل قناة السويس التي حفرها المصريون بعرقهم ودمائهم وماتوا من اجلها في القرن التاسع عشر، وها هم الآن ينفرون في القناة الجديدة وأعتقد أنه إذا كانت قناة السويس بكل تاريخها قد أرتبطت في أذهان المصريين بكل هذه الأحداث فهي مقبلة علي مرحلة جديدة هي المرحلة «التنموية» وهي هذه المشروعات الضخمة التي تفكر فيها الدولة ويفكر فيها الرئيس السيسي في أن تكون مسرحاً لتعبئة تنموية ليست فقط علي مستوي تنشيط حركة العبور الدولي من أجل التجارة الدولية وهو أمر في غاية الأهمية لكن أيضا من أجل إنشاء هذه المشروعات والصناعات والمؤسسات التي ستشترك فيها الأيدي المصرية الشباب من كل الأعمار وتشترك فيها أيضا قوي دولية من خلال الشركات الكبري وإذا كانت قناة السويس قد أرتبطت بكل هذه الأحداث فالقناة الجديدة ستكون عنواناً للتعبئة التنموية التي ستؤدي إلي تطور الاقتصاد المصري وما يترتب عليه.. وساطة حضارية أما الناقدالكبير د. محمد حسن عبدالله فيقول: قناة السويس لم تأخذ مكاناً في الفكرالمصري بقدر ما أخذت من السياسة المصرية، وذلك ما جعل الأمل في القناة الجديدة من خلال تنويع الانشطة والكثافة السكانية، وأن تقوم بدور الواسطة الحضارية بين البادية والوادي، أي دمج النشاطين، وأنا متفائل بكل حركة للأمام وبكل مورد يظهر اثره في خزانة الدولة. الروايات الفذة بينما يقول الناقد د. مدحت الجيار: في الحقيقة قناة السوس القديمة التي دفع فيها المصريون حياتهم وصلت الي كل بيت من بيوت المصريين لانهم خرجوا في معظم الأحوال إما في اتجاه حفر القناة او شهداء علي ارضها أو بعد ذلك يحتفلون بها، احتفل الخديو اسماعيل بقناة السويس احتفالاً عالمياً لم يستطع الملوك أن يحتفلوا به في مناسبات شبيهة، بل لأول مرة يأتي «فيردي» ليلحن الاوبرا المصرية القديمة «عايدة»، وأن تأتي فرق اجنبية لتمارس هذه الرقصات و«التابلوهات» ويضيف: إن جميع الشعراء الذين كانوا يعيشون في هذه الفترة كتبوا عن مشروع قناة ثم شاركوا في الاحتفالات بقصائد وعلي رأسهم «أحمد شوقي» الذي كتب قصيدة بعنوان «قناة السويس» وكثير من الشعراء العرب ايضاً باركوا هذا المشروع بقصائد ربما تكون «حفر القناة»، وبرغم ان الاجانب سيطروا علي هذه القناة إلا أنها كانت حاضرة في نفوس المصريين، وبدأت بعض الفرق التمثيلية تشير إليها إشارات عابرة ولكنها إشارات ذات مغزي سياسي، وبعد ذلك اصبحت القناة مصدر دخل للحكومات الأجنبية والمصرية ايضاً، ولكن بعد ذلك لم نجد صوتاً للقنال الا عقب تأميمها بصوت جمال عبد الناصر، وما نتج عن ذلك من الهجوم البريطاني الاسرائيلي الفرنسي علي مدن القناة بإعادة هذه القناة الي الاجانب. ورغم انتهاء الحروب بدأ المصريون يحتفلون بالقناة فكتب صلاح جاهين ديواناً كاملاً بعنوان «موال علشان القناة»، وكتب مجموعة كبيرة من كتاب الاغنية المصرية شعراً واغاني عنها واضاف الجيار بعد ذلك حصل التهجير وأغلقت القناة بفعل الحرب وبدأت الاشعار تأتي مع حرب القنال، وتهجير المدن والحقيقة ان تلك الفترة كانت أكثر الفترات في شعر مصر العامي والفصيح وكانت مناسبة لاحتفالات كثيرة وندوات، الان تفتح قناة السويس الجديدة بجوار القديمة وجاء الافتتاح علي غرار الاحتفال القديم ويؤكد: أعتقد أن الرواية المصرية ستبدأ فيتسجيل حدث قناة السويس الجديدة لانه لا توجد لدينا الا رواية واحدة اسمها «ايام القبوطي» للكاتبة سهام بيومي كلها عن حفر قناة السويس الاولي، وهي من الروايات الجيدة، وأعتقد أن في هذه الفترة ستبدأ الروايات في تسجيل هذا الحدث الخطير لان الاحداث السابقة كانت استعادة لاحداث قديمة، اما الان فالشعراء والكتاب والموسيقيون يرون العمل يومياً علي شاشات التليفزيون، وهذا لم يكن متاحاً من قبل بل وتتاح لهم زيارة هذه القناة ومشاهدة الاحتفالات التي لم يرها أحد في القديم الا في الرسومات وسيجد الروائي مادة مصورة جاهزة للكتابة وأنا أقدم اقتراحين: أولاً: عمل مسابقة في الشعر والقصة والرواية لتوثيق حدث قناة السويس وثانياً: عمل مؤتمر عن الكتابات التي كتبت عن القناة في الفترة الماضية، وهناك كتاب يجب ان يطبع لمصطفي الحفناوي «الفقي» وهو استاذ قانون وهو الكتاب الوحيد الذي سجل تاريخ القناة والاتفاقيات وقد استشاره الرئيس «عبدالناصر» في قانونية تأميم القناة وأفاده بقانونية ذلك، وهي رسالة دكتوراه له وهذا الكتاب مهم، ولكن يجب ان يضاف إليه ما تم بعد ذلك وسوف يكون ذلك مفيداً ومهما للأجيال القادمة، كما يجب ان يشكل وزير الثقافة لجنة محايدة للقيام بتنفيذ هذه المقترحات لكي تتم بأسرع ما يمكن، ويمكن ان يتم طبعه في هيئة قصورالثقافة لينشر بسعر رخيص يكون في متناول كل مواطن مصري. عناية أكبر وفي الختام يقول الناقد د.حسين حمودة: أتصور ان قناة السويس القديمة لم تنل ما تستحق من اهتمام ابداعي في مجال الرواية هناك عدة روايات كتبت عن مدن القناة في فترات مختلفة منها «أحزان مدينة» لمحمود دياب «وهكذا يعبثون» لامينة زيدان، ورواية «ليلة القبض علي فاطمة» لسكينة فؤاد بالاضافة لأعمال قصصية لقاسم مسعد عليوة، لكن التركيز علي تجربة القناة نفسها لم يتحقق بقدركاف في مجال الرواية ويضيف: هناك أعمال شعرية أخري ارتبطت ببعض التجارب التي مرت بها القناة في بعض الفترات التاريخية مثل ديوان عبدالرحمن الأبنودي «وجوه علي الشط» وربما لقيت القناة تناولات متعددة في مجال الشعر لكن المؤكد أن تجربة القناة القديمة وايضاً تجربة القناة الجديدة جديرتان بعناية أكبر من الأدباء.