شك أن الجماعات والتنظيمات المتطرفة تشكل خطرا داهما علي الأفراد والمجتمعات، وأن الالتحاق بهذه الجماعات والتنظيمات ينطوي علي مخاطر جسام، أهمها : أن الداخل مفقود والخارج مولود، فهذه العبارة تنطبق غاية الانطباق علي الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، حيث إنها تعمل بأقصي طاقتها علي تجنيد الصبية والشباب والفتيات وكل من تستطيع الوصول إليه تحت إغراءات مالية، أو معنوية، أو مخادعة، واستغلال لظروف بعضهم النفسية، أو الاجتماعية، أو مغالطات فكرية أو دينية، أو وعود لا يملكون من أمرها لأنفسهم ولا لغيرهم شيئا، وقد أعجبني ما سمعته من أحد المثقفين في نقاش له مع أحد الشباب حول لبس الأحزمة الناسفة، فقال : لو جاءني من يطلب مني لبس حزام ناسف أو القيام بعملية انتحارية، فإني سأسأله سؤالا واحدًا، وهو : ما الذي يمكن أن يعود عليّ جراء القيام بهذا الأمر ؟ والمتوقع أن يجيبني : الجزاء هو الجنة بنعيمها وما فيها، مع تعداده لما في الجنة من نعيم مقيم، غير أن جوابي عليه هو : إن كان هذا الفعل كما تقول يؤدي إلي هذا النعيم المقيم فإني أؤثرك به علي نفسي، فتفضل أنت هذا الحزام وهنيئا لك أنت بهذا النعيم الذي تزعم أو تتوهم أنه مقيم، إذ لو كان فيه كل هذا الخير والنعيم لما آثرونا به علي أنفسهم، مستخدما رجاحة العقل في النقاش، بعيدًا كل البعد عن الدخول في فلسفات نظرية أو جدل عقيم. وإذا كانت بعض الصحف والمواقع والأخبار تطالعنا بأن كثيرًا من الشباب الذين التحقوا بداعش وأخواتها وأولاد عمومتها من جند النصرة، وبوكوحرام، وأجناد الشام، وأعداء بيت المقدس، والقاعدة، والإخوان، والسلفية الجهادية، ومن كان علي شاكلة هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، يريدون الخروج من براثن هذه الجماعات والتنظيمات، غير أنهم يخشون القتل والتنكيل وسوء العاقبة لهم أو لذويهم وأهليهم علي أيدي عناصر هذه الجماعات المتطرفة إن هم فكروا مجرد تفكير في هذا الخروج، فإننا لا بد أن نؤكد علي أهمية الحماية والتحصين والتحذير والإنذار المبكر لأبنائنا وشبابنا من أن يقع أحد منهم في براثن أو مخالب هذه التنظيمات الإرهابية. وهذا يتطلب منا جميعا التوعية الدائمة دعويا وإعلاميا وثقافيا وفكريا بمخاطر هذه الجماعات، واحترافها الكذب، وخيانتها لدينها وأوطانها، وعمالتها لأعداء الدين والوطن، واستعدادها للتحالف حتي مع الشيطان في سبيل مصالحها المادية والنفعية والسلطوية. كما ينبغي أن نلاحظ سلوك أبنائنا حتي لا تتخطفهم تلك الأيدي الأثمة، فعلي كل ولي أمر أن يراقب سلوك من حوله ممن يعنيه أمرهم، سواء أكان أبناء، أم إخوة، أم ممن يمتون له بصلة أو رحم أو جوار أو صداقة أو قرابة، فإذا وجدته يميل إلي الاجتماعات السرية، أو الانطواء، أو الكذب، أو أخذ الغموض يبدو علي تحركاته، فعليك أن تحسن مراقبته حتي تقف علي حقيقة أمره، وأن تنقذه من براثن الإرهاب قبل فوات الأوان إن كان قد انحرف إليه. والذي لا شك فيه أن هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية وعلي رأسها التنظيم الدولي للإخوان الإرهابيين إنما تعمل ضد دينها وأوطانها، ولو أن أعداء الإسلام بذلوا كل ما في وسعهم، وسخروا كل إمكاناتهم لتشويه صورة الإسلام، ما بلغوا معشار ما فعلته هذه الجماعات من تشويه لصورة الإسلام وحضارة الإسلام في الداخل والخارج. كما أن جيوش الأعداء لم تكن قادرة أن تفعل بأمتنا بعض ما فعله هؤلاء من تمزيق وتفتيت لكثير من كياناتها ، لكنهم نجحوا في توظيف هؤلاء الهمج الرعاع في ارتكاب أعمال وحشية همجية كالذبح والحرق والتنكيل بالبشر، وأيدي هذه القوي العالمية في الظاهر منها براء ، بل إنها صارت توجه أصابع الاتهام إلي ديننا وحضارتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، علي أنها هي التي أفرزت هذه الظواهر الشاذة ، مع أن أجهزة مخابراتهم وشياطين إنسهم وجنهم هم من دربوا هؤلاء الإرهابيين علي القسوة والوحشية والهمجية والفجور، مما لا يقره دين ولا إنسانية ولا عقل سليم، فضلا عن ديننا العظيم دين الرحمة والتسامح والإنسانية. أضف إلي ذلك النموذج الهمجي الذي يرتد إلي عالم ما قبل التاريخ ، الذي رأيناه في بيع الإرهابيين لبعض النساء العراقيات أو السوريات ، وهو ما يدفع كل حر أبيّ أن يضحي ولو بنفسه وكل ما يملك في سبيل ألا يري هذا اليوم ، لأن هؤلاء المجرمين لا يرقبون في الناس إلا ولا ذمة. وليتخيل كل واحد منا أن هذه المرأة التي تباع - لا قدر الله - ابنته ، أو أخته ، أو زوجته ، أو أمه ، أو عمته ، أو خالته ، فماذا أنتم فاعلون أيها الأحرار اتقاء هذا اليوم ؟! إنه لا بديل أمامنا سوي العمل علي الخلاص من كل قوي الإرهاب والشر والتطرف ، سواء أكان إرهابًا مسلحًا، أم إرهابًا فكريًا ، مؤكدين أن كل هذا الإجرام مخالف لصريح نصوص الكتاب والسنة ، ففي القتل والذبح والتنكيل بالبشر ، نؤكد أن ديننا نهي عن المثلة، وهي التمثيل بالميت بعد قتله ولو كان كلبًا عقورًا ، و" أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تَدَعْهَا تُصِيبُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا حَتَّي مَاتَتْ " ، علي أن هذه المرأة لم تقتل الهرة ، ولم تذبحها ، ولم تحرقها ، فقط هي غفلت عنها ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وأن نبينا (صلي الله عليه وسلم) قد نظر إلي الكعبة وقال : " مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ ". أما العبودية والاسترقاق فقد عمل الإسلام علي تخليص البشرية منهما ، وتوعد بالوعيد الشديد من باع حرًا فأكل ثمنه ، فقال (صلي الله عليه وسلم) : " قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَي بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَي مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ ".