ليس تعليقا علي حكم قضائي، ولكن التساؤل، كيف يتعارض الحكم القضائي مع النص الدستوري ؟ وهو تساؤل مشروع، فالدستور «هو القانون الأساسي والأعلي الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها»، إذن الدستور هو السيد، هو الأساس، هو العماد للحياة الدستورية، و«حق لقواعده أن تستوي علي القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمي القواعد الآمرة التي يتعين علي الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية»، لأن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد من الدستور وجودها وكيانها وتحديد وظائفها، وقد حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة منذ دستور سنة 1923 علي تقرير الحريات والحقوق العامة. هذه المقدمة أساسية وضرورية، لنفهم أو لنحاول فهم الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا والذي يقضي بمعاقبة الموظفين المضربين عن العمل بالإحالة للمعاش، وهو الحكم الذي أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط العمالية الذي اعتبرته انتكاسة لحقهم في الإضراب الذي أكد عليه الدستور «تنص المادة 15 علي أن الإضراب السلمي حق يكفله القانون»، وأكدت عليه الإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، أما لماذا صدر الحكم قبيل عيد العمال فهذه قصة أخري..!. ولماذا أدخل الحكم الشريعة الإسلامية في الموضوع، إن الإضراب مشروع دستورياً وإنسانياً ويتفق مع الشرائع السماوية التي ترفض الظلم البين، فالعمال يلجأون للإضراب لرفع الظلم عنهم، وإذا شعروا أن العدالة الإجتماعية التي نصت عليها الشرائع السماوية، لا تطبق، وماذا إذا وجد العمال أن صاحب رأس المال لايعطيهم أجورهم وحقوقهم، هل عليهم أن يخضعوا له خوفاً من الإحالة للمعاش كما أوضح الحكم، لنفرز فراعنة جددا من أصحاب المصانع والشركات، وليصبح رأس المال هو المسيطر الأوحد كالسيف علي الرقاب، ولماذا استند الحكم علي القاعدة الفقهية التي تقول «درء المفاسد مقدم علي جلب المنافع»، باعتبار أن الإضراب وتعطيل سير العمل هو أحد المفاسد التي يجب التصدي لها، وإن كانت هذه القاعدة ليست بنص مقدس، ولماذا لا تتم الموازنة بين المفاسد والمصالح، مصلحة العامل، كل عامل يتحمل إعاشة أسرة كاملة من طعام وتعليم وصحة وغير ذلك، ومن حق العامل أن يعيش عيشة كريمة تساعده علي الإستمرار في العمل والإنتاج، وليس من حق صاحب رأس المال أكل الحقوق والإثراء علي حساب العمال وأسرهم، أعتقد أن تجريم الإضراب يخالف الأصل، وهو الحل، فبعد ثورتين عظيمتين طفت علي السطح مشكلات كثيرة، وكل مشكلة تظهر نجد أن القانون يسلط عليها السيف البتار، بدلاً من تسليط سيف الحق، فبالحق والعدل تُحل المشكلات، وهل مصلحة العمال وأسرهم لا تتساوي مع المصلحة العامة، وهنا يأخذنا الحديث إلي التوقف والإختيار في كل حالة وما يلابسها، ليس بالتجريم والإحالة للمعاش، حتي لا نؤصل لقاعدة سيطرة رأس المال، لست مع الحق في الإضراب بدون ضابط ولا رابط، حتي لا تتعطل عجلة الإنتاج، ولكن لابد من وضع الضوابط بحيث لاتتعارض مع النصوص الدستورية والحق في الحياة.