سأترك لمحرري الأخبار في صحف مصر والوطن العربي والعالم ذكر المنجز المالي والسياسي والحضاري الذي خرجنا به من مؤتمر شرم الشيخ لبناء مصر الجديدة. فالحدث مهم. ربما لا يقل أهمية عن الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو والثالث والسادس والعشرين من يوليو. إنه يوم من أيام مصر الخالدة. والذي سيبقي معنا عطره وأثره فترة طويلة قادمة. لكني كواحد من أحفاد من بنوا الأهرامات لمقاومة النسيان وللوقوف ضد قدرته الفريدة علي أن يجعلنا ننسي أيام العز والمجد. أجدني مشغولاً بفكرة توثيق ما جري في هذا اليوم المهم. الكلمات التي قيلت أكثر من مهمة. وقد قالها ضيوف لا مصالح لهم معنا. بل قدموا لنا أقصي ما يمكن تقديمه. ولهم الشكر من قبل ومن بعد. وسمعت ما لم أكن في حاجة إليه لتأكيد أهمية مصر كدورة إقليمية كبري. وكدولة محورية في عالم اليوم. وليس في الوطن العربي أو العالم الإسلامي أو العالم الثالث فقط. لكن المواطن العادي ربما كان محتاجاً لأن يعرف ما جري في شرم الشيخ بالتحديد. حتي المصري الأمي لا بد أن نفكر في أن نوصل له ما قيل هناك وما اتخذ من قرارات وما صدر من توصيات حتي لا نقهر النسيان فقط. ولكن نقهر خطر الأمية الذي يحاول أن يستولي علي عقول عدد كبير من أبناء مصر. واستعادتهم معنا تبدأ من أن نخاطبهم بالطرق التي يمكن أن تصل إليهم. بل ربما استمع المصريون لممثلي دول لم يسمعوا عنها من قبل. خصوصاً الأشقاء الأفارقة والآسيويين ومن جاءوا من آخر أماكن في عالم اليوم ليقولوا لنا نحن معكم في معركتكم ضد الإرهاب لأنكم تدافعون عنا بقدر ما تدافعون عن بلدكم. أكثر من واحد قال بشكل أو بآخر معركتكم معركتنا, ومصيركم مصيرنا, وانتصاركم انتصار لنا. وأعتقد أن الرسالة شديدة الوضوح. ليس بهدف الوقوف مع بناء مصر بقدر ما هي رسالة شديدة الوضوح ضد أعداء الحياة والتقدم والمصريين الذين يحاولون اغتيال كل ما يمكن أن يجعل الحياة ممكنة في مصر وفي الوطن العربي. تشغلني قضية التوثيق. كيف يبقي للأجيال القادمة نصوص الكلمات التي قيلت؟ والمناقشات التي ستتم؟ والقرارات التي ستصدر؟ أيضاً فإن زمننا يقدم لنا مستحدثات جديدة لتسجيل ما جري. لدينا التسجيل الصوتي وتسجيل الصورة وأيضاً الفضاء الإليكتروني الذي يمكن أن نضع فيه كل ما جري في هذه الأيام الثلاثة التي ستعد من الأيام العبقرية التي مرت بها مصر. لا أعرف من الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور؟ الذي أعتقد أن أهميته لا تقل عما جري. لأن الأجيال القادمة يجب أن تعرف ما جري في هذه الأيام. التي أتمني أن تخرجنا من عنق الزجاجة وأن تضع أقدامنا علي أعتاب عصر جديد وزمن آخر وظروف مغايرة لما مررنا به بعد سنوات من الاضطرابات الكبري التي عاصرناها جميعاً. التناول الإعلامي العالمي والعربي والإفريقي والآسيوي لما جري في شرم الشيخ كان شديد الأهمية. وهو شهادة لزمن مصر الجديدة التي نحاول بناءها جميعاً بالعرق والدم والدموع. وتجميع ما سيقوله العالم عن حدثنا يبدو مهماً لأنه مع تقدم الأيام وكر الليالي قد تنسي الأجيال ما جري. وأنا لا أنسي عبارة قالها أحمد شوقي ربما كانت شطرة من بيت شعر له عندما قال: وفي مصر فإن كل شيء ينسي بعد حين. لكن أحمد شوقي نفسه قال أيضاً: لكل زمان مضي آية. وآية هذا الزمان الصحف. وقد تبارت في تسجيل ما جري. لكن يبقي التوثيق. هذا التوثيق لا يجب أن نتركه للدولة المصرية ممثلة في أجهزتها التي تعمل في هذا الميدان. بل أتمني أن تكون هناك مبادرات من المصريين جميعاً. كل في موقعه. وكل حسب إمكاناته. فقد شعرت أن ما جري في شرم الشيخ أعاد لنا جميعاً العبارة التي خرجت من رحمها ثورة سنة 1919. والتي عبر عنها توفيق الحكيم في روايته: عودة الروح عندما يصير الكل في واحد. لقد صار الكل في واحد أمام مؤتمر شرم الشيخ. وقدمنا نحن أهل مصر صورة تصلح أن تكون تذكارية لنا. لكن المهم أن نحميها من مخاوف النسيان الذي يمكن أن لا يبقي من الصورة إلا الوهج. وأتمني أن يصل جوهرها إلي الأجيال التي ستأتي من بعدنا. عندما تنعم بالواقع الجديد الذي أعتقد أنه انطلق من مؤتمر شرخ الشيخ.