لا تقتصر أشكال المشاركة الشعبية علي السياسة التي هي أحد أوجه هذه المشاركة، بل تشمل المشاركة من خلال جميع مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية أو نقابات أو تعاونيات أو اتحادات. تتحدد إنجازات ومستويات التنمية في الدول بحسب ظروف مجتمعاتها فهي ترتفع وتتعاظم في الدول إذا كانت ظروفها السياسية والاجتماعية تتمتع بدرجة معقولة من الديمقراطية، والديمقراطية باختصار شديد هي حق المواطن في أن يشارك بفعالية في تشكيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيش فيها ويعبِّر عن رأيه بكل حرية، وهناك آليات متعارف عليها تتيح لأفراد الشعب هذه المشاركة وتقوم علي تنظيمها. تختلف هذه الآليات باختلاف طبيعة ونوع المشاركة، فهناك البرلمانات وآليات الحكم المحلي بالإضافة إلي منظمات المجتمع المدني التي تشمل الأحزاب والنقابات والتعاونيات والاتحادات والجمعيات الأهلية التطوعية 000 الخ، وكلها آليات تعظم من حجم المشاركة الشعبية التي كلما زاد حجمها ازداد المجتمع آمناً واستقراراً. من أهم ممارسات المشاركة الشعبية ومظاهر الديمقراطية المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتأخذ الانتخابات البرلمانية والقوانين المنظمة لها حيزاً كبيراً من اهتمام الشعب بكل شرائحه وفئاته وعناصره وانتماءاته، ونحن الآن بصدد انتخابات ينظر لها الجميع ليس في مصر فقط بل في العديد من دول العالم بترقب شديد وكلنا أمل أن تكون العملية الانتخابية تعبيراً صادقاً عن إرادة شعبية واسعة النطاق ومجالاً لمشاركة حقيقية تلقائية، خاصةً وأن النظام الانتخابي الحالي الذي يجمع بين القائمة والتمثيل الفردي يتيح فرصة سانحة لأعداد أكبر من مختلف شرائح المجتمع لتتمكن من المنافسة 000 فالتمثيل الفردي يتيح لكل من له الرغبة في الترشيح مهما كان انتماؤه السياسي أو الحزبي أو كان مستقلاً، والقائمة تتيح الفرصة لشرائح في المجتمع تشمل عناصر متميزة ولازمة لاستكمال الصورة السليمة للمجلس النيابي وبعضها عناصر قد لا يمكنها المنافسة علي المقاعد الفردية لأسباب مختلفة، خاصةً بعد أن أصبح المال هو العنصر الحاكم للعملية الانتخابية وهو الذي يدفع بشريحة صغيرة من الشعب إلي دائرة الضوء وإلي مركز ثقل العملية الانتخابية، وفي الوقت نفسه هو العامل الرئيسي الذي يدفع بشريحة كبري خارج الدائرة تماماً وهي شريحة تشمل أصحاب الخبرة والرأي من أساتذة الجامعات والكتاب والأدباء والمفكرين والصحفيين والشباب والمرأة وغيرهم، وهي عناصر قد تكون أكثر قدرة علي تمثيل الشعب بكل الأمانة والكفاءة، وهذه قضية خطيرة نأمل أن تؤخذ في الاعتبار عند تشكيل القوائم. إن غياب هذه العناصر من المشاركة في الحياة البرلمانية يفقدها بعداً هاماً لازماً لاستكمال الصورة الجامعة الشاملة التي تعكس مشاركة شعبية حقيقية. من أهم أنماط المشاركة الشعبية الانخراط في الأحزاب السياسية، ومن الواضح أن مستوي هذه المشاركة في مصر يتسم بالضعف رغم زيادة عدد الأحزاب علي الساحة الآن. فالأحزاب السياسية في مصر لم تصل بعد إلي مستوي النضج السياسي المؤثر بحسب المعايير المتعارف عليها، وهو ما يحتم علي هذه الأحزاب أن تقوم بتقييم تجربتها وتعيد النظر في أسلوب تحركها بين الجماهير وأن تعظم من قدرتها لتهيئة المناخ الملائم عن طريق توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم وتربية الكوادر السياسية المستنيرة وتحفيز هذه الكوادر علي المشاركة في عملية صنع القرار السياسي، هذا بالإضافة إلي ضرورة أن تتسم ممارسات الأحزاب في داخلها بالديمقراطية، حيث أن شباب القواعد الحزبية في بعض هذه الأحزاب يفتقد جدية المشاركة في اتخاذ القرارات التي تتخذها المستويات العليا في الحزب. هناك نمط آخر يعزز المشاركة الشعبية من خلال نظم الحكم المحلي التي تتيح مشاركة فاعلة لأفراد المجتمعات المحلية علي مستوي الأقاليم والمحافظات بمدنها وقراها. لا تتأتي المشاركة إلا إذا قامت المجالس المحلية الشعبية بوضع الخطط والموازنات اللازمة لاحتياجات المجتمع المحلي الذي تنبع من أفراده، ويطلق لها اليد في اتخاذ قرارات إنفاق الموارد واستخداماتها، وتحديد أدوات التنفيذ ومتابعة ومراقبة الأجهزة التنفيذية والقائمين عليها، وهو ما يستدعي مراجعة نظام الحكم المحلي الحالي الذي تغيَّر فأصبح نظام إدارة محلية طغّت فيه الأجهزة التنفيذية المحلية التابعة لديوان المحافظة أي للحكومة علي المجالس الشعبية المحلية مما لا يحقق المعني السليم للمشاركة الشعبية. إن نظم المحليات في صورتها الحالية في مصر تؤدي إلي ضعف المشاركة من قبل المجتمعات المحلية.