كان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين نموذجا نادرا بين الحكام العرب وملوك السعودية.. وكان مثالا للحكمة والقيادة الرشيدة ولذلك استحق عن جدارة «حكيم العرب» وفي كل المواقف الصعبة كانت تبرز عروبته وقدرته علي جمع الشمل واحتواء الخلافات وتقوية أواصر العلاقات العربية.. وكان الملك عبدالله قويا بشخصيته وقدرته علي إذابة الأمور الطارئة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتقوية الروابط بين الدول العربية.. ولذلك كان الراحل ينظر برؤية ثاقبة لما فيه خير الأمة العربية والإسلامية وقدرتها علي تجاوز المشاكل وتنقية الأجواء وكان يمد يد المساعدة لكل الدول العربية والإسلامية في أوقات الأزمات. وكان موقف الملك عبدالله مع مصر في ثورة 30 يونيو نموذجا للأخوة الصادقة والروابط التاريخية التي تجمع مصر والسعودية، ولذلك رفض التدخل الأجنبي في شئون مصر ووقف إلي جانبها في المحنة وقدم لها العون المادي والمعنوي وكان موقفه القوي والشجاع بمثابة تحذير للولايات المتحدة والدول الأوربية من التدخل في شئونها وعدم تفهم إرادة الشعب المصري.. وإلي حد انه ارسل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الي فرنسا لشرح حقيقة الموقف وان ما حدث ليس انقلابا كما حاولت جماعة الإخوان تصوير ذلك وترويجه، وإنما هو رغبة من الشعب المصري في التغيير ورفض حكم الإخوان. ومصر لا تنسي ذلك الموقف القوي والحكيم للملك عبدالله الذي كان له أكبر الأثر في مواقف الدول الغربية.. وبلغ من حرص الملك عبدالله للاطمئنان علي مصر وأحوالها ان توقف بطائرته في القاهرة.. وهو عائد من رحلة في المغرب.. لمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي ومناقشة الاوضاع والاحتياجات من بعد ثورة 30 يونيو وكان لذلك أبلغ الأثر في مواقف دولة الإمارات ودولة الكويت لتأييد مصر ومساعدتها علي الصمود. ويعتبر تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين الثالث الحكم في المملكة السعودية بمثابة تعويض للشعب السعودي عن مصابه.. فإنه رجل دولة من الطراز الأول ويعرف أحوال الشعب ويتمتع بشجاعة القرار وبعد الرؤية والخبرة في الحكم من خلال الحقبة الطويلة التي امضاها أميرا لمنطقة الرياض حتي تولي ولي العهد وصار سابع ملوك المملكة السعودية وهو الابن الخامس والعشرون من أبناء الملك عبدالعزيز آل سعود من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري وهو احد أهم أركان العائلة المالكة وهو أمين سر العائلة السعودية ورئيس مجلسها والمستشار الشخصي لملوك المملكة ويعتبر حكما ومرجعا في العلاقات بين اشقائه السبعة (من السديرية) وأبرزهم الراحلون الملك فهد والامير سلطان والامير نايف والباقون منهم.. والمعروف عن الملك سلمان حبه الشديد لمصر ورعايته للمصريين العاملين بالسعودية وهم قرابة المليونين وحينما كان أمير الرياض لسنوات طويلة كان يخصص جانبا من وقته يوميا لمقابلتهم وبحث شكاواهم ويأمر بحلها وكان يتولي علاج غير القادرين علي نفقته الخاصة وسمعته يقول لهم: إنكم في عيوننا ولكم حق علينا.. وروي لي كيف أوصي الملك عبدالعزيز يرحمه الله أولاده وهو علي فراش الموت بمصر خيراً وطلب منهم أن يكونوا عونا لها والاعتماد علي مصر واتخاذها سندا للمملكة.. ولذلك ظل مهندس العلاقات المصرية السعودية ولعب دورا في إعادة العلاقات بعد قطعها في مؤتمر بغداد.. بعد توقيع السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل. ومازلت أذكر هذه الزيارة التي قمت بها للمملكة السعودية.. مع وفد من رؤساء التحرير.. وبدعوة من الامير سلمان وقتها للتمهيد لإعادة العلاقات المصرية السعودية بعد القطيعة.. وقام بترتيب جولة لنا في ارجاء المملكة من مكة والمدينة الي المنطقة الشرقية وكانت حفاوته بنا كبيرة وإلي حد انه كان يصحبنا لمشاهدة التطوير الذي أحدثه في الرياض الخضراء رغم أنها وسط الصحراء حتي تصبح عاصمة تليق بالمملكة. والواقع ان سلمان لديه القدرة علي تحويل الأحلام الي واقع بعزيمته القوية.. ويتمتع بتأثير قوي علي الشخصيات العربية والعالمية التي يتعرف عليها وهو قوي الذاكرة ولا ينسي معارفه.. وهذه هي ملامح شخصية الملك سلمان الذي يتميز بقدرته علي العمل المتواصل منذ الصباح الباكر ويذهب الي مكتبه مبكرا ويحرص علي متابعة التقارير والخطابات التي تصل اليه ويمضي يومه في المقابلات والاتصالات مع جميع الشخصيات وهو يتفهم حقيقة الأوضاع في المملكة وفي المنطقة العربية.. وهو يحب الصحافة ويوليها اهتماما خاصا وكان وراء فكرة اصدار الصحف العربية في الخارج حتي يتاح للعرب معرفة أحوال وطنهم في أي مكان. إن تولي الملك سلمان الحكم في السعودية يعني استمرارية النهج الذي سارت عليه المملكة في السياسة الداخلية والخارجية والعربية ويعني في ذات الوقت التحديث والتطوير علي أيدي أحفاد الملك المؤسس أي الجيل الثاني بعد أبناء الملك عبدالعزيز وقد تجلي ذلك في التغييرات التي قام بها الملك سلمان فور توليه خاصة في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وفي الديوان الملكي.. ويعتبر ذلك بمثابة ضخ دماء جديدة في شرايين الحكم ولذلك كانت البيعة للملك سلمان بصورة غير مسبوقة من كافة طوائف الشعب في السعودية.