ولتكن القناعة بأن هذه الجهود هي طوق النجاة الوحيد لأجيالنا المقبلة وهي خير زاد ومعين في المرحلة المقبلة، فالهدف غال والمستهدف أغلي وهو أمن واستقرار بلادنا وضمان مصالح شعوبنا لاشك أن التوصيف القانوني والسياسي الدقيق للتطرف والإرهاب هو أحد مجالات الخلاف بين العديد من الدول والمنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية من اعتداءات الحادي عشر من ستمبر 2001. ومن هنا تبرز أهمية التوصيف الذي أنتجه المؤتمر الدولي الذي نظمه الأزهر الشريف في الشقيقة مصر خلال الأسبوع الماضي تحت عنوان «الأزهر في مواجهة الإرهاب والتطرف»، حيث اختتم المؤتمر أعماله أمس بالتأكيد «علي أن كل الفرق والجماعات المسلحة و«المليشيات» الطائفية التي استعملت العنف والإرهاب في وجه أبناء الأمة رافعة - زورا وبهتانا - رايات دينية، هي جماعات آثمة فكرا وعاصية سلوكا، وليست من الإسلام الصحيح في شيء». هذا المؤتمر الذي شاركت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة بوفد رسمي برئاسة سعادة الدكتور محمد مطر سالم الكعبي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، هو إحدي الخطوات الإيجابية المهمة علي درب التعامل الصحيح مع هذه الظاهرة الخبيثة التي تنخر في جسد الأمة الإسلامية، لاسيما أن كلمة دولة الإمارات أوضحت الآليات العملية والتنفيذية لمواجهة التطرف والإرهاب، وفي مقدمتها دعم الدور الذي يضطلع به الأزهر الشريف علي صعيد تعزيز الاعتدال والوسطية في العالم الإسلامي.. حيث صار لزاما علي العلماء والمؤسسات المعنية بالخطاب الديني أن يأخذوا بزمام المبادرة وأن «يبذلوا جهودا كبيرة لاستعادة الخطاب الديني وفك أسره من أيدي المتطرفين وتبرز الإسلام بجوهره الأصيل وحقيقته الناصعة وتعيد إليه صورته الحضارية اللامعة». ولاشك أن دولة الإمارات العربية المتحدة من بين دول قلائل في العالمين العربي والإسلامي أخذت بزمام المبادرة علي صعيد بلورة استراتيجيات واضحة لاستعادة زمام المبادرة من الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة عبر خطوات عملية ورؤية علمية واضحة تنفذ بدقة وتتابع نتائجها بشكل علمي مدروس، وترتكز علي آليات واقعية قابلة للتطبيق وقياس النتائج والتعرف علي ردود الأفعال، وفي مقدمة هذه الآليات، سن القوانين والتشريعات اللازمة لتنمية الوعي الديني ونشر الثقافة الإسلامية وفق منهج الاعتدال والوسطية وإبراز الصورة الحضارية للمساجد وتطوير مراكز تحفيظ القرآن الكريم وتعزيز مرجعية الإفتاء الرسمي وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح والارتقاء بمسيرة العمل الإنساني. وهذه الآليات تحظي بدعم ومساندة رسمية قوية وفاعلة من جانب قيادتنا الرشيدة وعلي رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وولي عهده الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، الذي يضع في مقدمة أولويات عمله ترسيخ النهج الوسطي في الخطاب الديني والحفاظ علي الشباب والأجيال الجديدة من التطرف الفكري والديني وتخليص المناهج التعليمية والأنشطة الشبابية من أي فكر أو خطاب ديني متطرف ومعاد للإنسانية والوسطية التي ينادي بها إسلامنا الحنيف. عندما يخلص مؤتمر بهذا الحجم العلمي النوعي وضع النقاط فوق الحروف وتسمية الأشياء والسلوكيات والممارسات بأسمائها الصحيحة من دون وجل أو مواربة فإننا نكون علي بداية الدرب الصحيح لمواجهة حازمة مع الفكر المتطرف. وما يضاعف من أهمية هذه المواجهة أن الخطر لم يعد يحتمل الانتظار والتريث أو التردد، فهذه الجماعات ينشر فكرها الهدام في مختلف مناطق الجسد العربي والإسلامي، وتكاد تصيبه في مقتل بحيث أصبح الصمت رفاهية لا تمتلكها مجتمعاتنا حيال هذه الظاهرة الخبيثة، التي أصبح الجميع في سباق مع الزمن من أجل اجتثاتها واستئصال هذا الفكر الضال ونبذه تماما خارج دائرة التاريخ. الأزهر هو رأس حربة جهود المواجهة الفكرية الصحيحة مع التطرف، وعلماؤه ورموزه هم حاملو مشاعل الاستنارة الفكرية في هذه المرحلة التاريخية الحساسة. وإذا كانت جهود وخطط التصدي للتنظيمات الإرهابية المتطرفة علي الصعيد العسكري ستأخذ وقتا ليس بالقليل فليس لنا أن نتوقع أن تمضي خطط المواجهة والاستئصال وتحصين جسد دولنا العربية والإسلامية من هذا الوباء الفكري العضال في وقت قصير، باعتبار أن المواجهة الفكرية هي الأصعب والمعركة الأشد والأكثر شراسة علي المدي البعيد.