لا يمكن إنكار أن بدايات الاهتمام بالعلوم الفلكية كانت بوازع ديني، حيث كان يتحتم تحديد أوقات الصلاة الخمس اليومية بكل دقة بحسب وضع الشمس في السماء علي مدي اليوم لا يمكن لأحد ان يكتب أو يتناول «النهضة العلمية الإسلامية» أو أي مرحلة من تاريخ العلم دون أن يرجع إلي المؤرخ «جورج سارتون» الذي يقف وبحق علي رأس المشتغلين في هذا المجال ويعتبره العلماء مؤسس «تاريخ العلم» كفرع من فروع المعرفة العلمية وقف «جورج سارتون» حياته كلها عليه منذ بدايات القرن الماضي. قام سارتون بتقسيم تاريخ العلم في كتابه «المقدمة في تاريخ العلم» إلي فترات زمنية متساوية كل منها 50 عاما اسماها بالعصور «Ages» واطلق علي كل عصر اسم أبرز علمائه وفلاسفته ممن كان لهم جهد مشهود وأثر واضح في تطوير العلم، ولعلنا نضرب بعض الأمثلة لذلك فكانت مثلا الفترة الزمنية من 450- 400 قبل الميلاد هي عصر أفلاطون، ومن 400-350 قبل الميلاد كان عصر أرسطو يتبعه عصر إقليدس من 350- 300 قبل الميلاد ثم أرشميدس وهكذا حتي ما بعد الميلاد، فكانت الفترة من 600- 650 ميلادية هي عصر الصيني تسانج يتبعه عصر تشينج، ثم من 750 الي 1100 ميلادية أي علي مدي حوالي سبعة عصور متتالية «أربعة قرون تقريبا» كانت سلسلة لا تنقطع من علماء يعتنقون الإسلام. فكان النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي هو عصر جابر بن حيان، وكان النصف الأول من القرن التاسع هو عصر الخوارزمي وكان النصف الثاني من القرن التاسع هو عصر الرازي، وكان النصف الأول من القرن العاشر هو عصر المسعودي، وكان النصف الثاني من القرن العاشر هو عصر أبوالوفا، وكان عصر البيروني هو النصف الأول من القرن الحادي عشر، وكان عصر عمر الخيام هو النصف الثاني من القرن الحادي عشر. وكانت البداية عندما تنبه المسلمون الي أهمية اكتساب العلوم بعد بداية الدعوة الإسلامية بحوالي مائة سنة وزاد اهتمامهم بها، كان وراء زيادة الاهتمام هذه دوافع عدة، أول هذه الدوافع وقد يكون أهمها هو الوازع الديني حيث أن تعاليم الإسلام التي وردت في القرآن الكريم أو في أحاديث الرسول «ص» تحث علي التبحر في اكتساب العلم والمعرفة والكد في البحث عن الحقيقة وتشحذ الهمم لدراسة الطبيعة والتمعن في النظام الكوني الإلهي الذي يعيش فيه الإنسان، كما أن هناك عددا كبيرا من آيات القرآن الكريم تصف العديد من الظواهر الطبيعية والكونية بوضوح، وعمق،وتشير بل والبعض منها يؤكد ويتنبأ ببعض قوانين الطبيعة وأمور العلم الحديث. وهنا نستشهد بكتابات أحد العلماء الغربيين الباحثين في أمور الأديان اسمه موريس بوكاي «Maurice Baucaille» وبمرجعه الشامل المعروف «الإنجيل والقرآن والعلم» the bible و QURAN AND SCIENCE قال بوكاي بالحرف «لا توجد هناك آية واحدة في القرآن وصفت فيها ظاهرة طبيعية تتعارض وتختلف عما نعرفه الآن من الاكتشافات العلمية الحديثة». لا يمكن إنكار أن بدايات الاهتمام بالعلوم الفلكية كانت بوازع ديني، حيث كان يتحتم تحديد أوقات الصلاة الخمس اليومية بكل دقة بحسب وضع الشمس في السماء علي مدي اليوم من قبل الشروق الي ما بعد الغروب والذي يختلف من يوم الي يوم ويختلف كذلك باختلاف المكان الجغرافي مما يقتضي متابعة دقيقة لحركة الشمس اليومية والسنوية، هذا بالإضافة الي شروط رؤية هلال شهر رمضان والشهور العربية بصفة عامة لتحديد مواقيت الصيام والأعياد والحج وغير ذلك من أحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما يقتضي متابعة دقيقة أيضاً لحركة القمر، كما أن هناك ضرورة لتحديد اتجاه الكعبة أي القبلة التي يجب أن يتوجه لها المسلمون أثناء صلواتهم بكل دقة من كل مكان في العالم، مما اقتضي البحث والدراسة في مجال العلوم الهندسية وبالذات في أمور الهندسة غير الإقليدية وهي الهندسة المعنية بالسطوح المنحنية حيث كان قد ثبت في ذلك الوقت أن الأرض كروية فسطحها بالتالي منحن وليس مسطحاً أدت بحوث ودراسات علماء المسلمين في هذا المجال الي تطور كبير في طرق حسابات المسافات والاتجاهات وإلي ازدهار علم الهندسة غير الاقليدية أي هندسة الأسطح المنحنية ونظرياتها التي تختلف عن الهندسة الإقليدية التي تنسب لإقليدس صاحب الأصول الهندسية الأول التي كانت تتناول المفاهيم الهندسية في الأسطح المسطحة وليست المنحنية، وإن كان الوازع الديني هو الدافع الأساسي الذي دفع المسلمين لمتابعة ودراسة بعض الظواهر الطبيعية ذات الصلة بالممارسات الدينية، إلا أنه لم يكن الدافع الوحيد بل كان هناك دافع آخر وهو إشباع الرغبة في طلب العلم والمعرفة والسعي للوصول الي الحقيقة، كما كان هناك أيضاً دافع ثالث ذو طبيعة مختلفة تماماً وهو الاقتناع بأن ارتفاع مستوي القدرة العلمية للدولة والمجتمع يعزز من كسب المزيد من القوة والقدرة الأساسية التي تدعم حكم الدولة الإسلامية التي كانت تمتد من الهند والصين شرقاً الي المغرب والأندلس غرباً، فأصبح الاهتمام بالعلوم والمعارف من الأمور التي تبناها الحكام وتنافس أمراء المؤمنين في التوسع في أمور العلوم ونصرة المعارف العلمية، وقاموا باستدعاء العلماء البارزين الي قصورهم وأغدقوا عليهم الأموال والألقاب وأرسلوا الرسل الي بلاد العالم لاجتلاب المخطوطات العلمية علي اختلاف مصادرها حتي من أعدائهم فقد قاموا بشراء الكتب اليونانية القديمة من الإمبراطورية الرومانية ومن أهمها موسوعة إقليدس في العلوم الهندسية.