هكذا ببساطة نصبنا أنفسنا قضاة بعواطفنا ومشاعرنا الثورية.. ووسط أحداث ملتبسة ودلائل غير باتة أطلقنا أحكامنا جزافا بلا تفكير.. ووصل البعض منها لمرحلة «مفيش فايدة» مادام الحكم لم يوافق ما نتمني.. كأن أحكام القضاء الجنائي تحديدا تأتي بالتمني وبرغبات الرأي العام وكأن القاضي ينساق وراء عواطفه وحبه وكرهه للمتهم ويغض الطرف عن إقامة العدل..! وبلا أدني اكتراث بدولة القانون واحترامنا المفترض لها تم نصب المحاكمات لتقييم حكم البراءة علي مبارك والذين معه.. كأننا قد امتلكنا الحقيقة التي لايأتيها الباطل من خلف أو قدام حول الجرائم الجنائية التي تم الحكم فيها.. يبدو أننا في حاجة دائمة لمراجعة البديهيات لمعرفة كيف يحكم القضاء وتقام المحاكم في كل بلاد الدنيا.. إصدار الاحكام يأتي بناء علي التحقيقات والتحريات والأوراق وما قدمته النيابة وما قدمه الدفوع للقضاة ولاحرية للقاضي إلا من خلال ماقدم له وضميره حول ما قدم له. أما الانفعال الثوري والعواطف الجياشة فليست من طبيعة القضاء.. والأحكام الجنائية لاتصدر إلا عن يقين تام للقاضي والشك فيها دائما ما يفسر لصالح المتهم أيا كانت التهمة. ولا أفهم كيف يخلط البعض في رؤيته للحكم بين تاريخ مبارك والذين معه سياسيا وطول سنوات خدمتهم الطويلة.. والقضية لا تمس من بعيد أو من قريب مافعله أو اقترفه الحاصلون علي البراءة إلا علي واقعة جنائية محددة نسب إليهم فعلها.. وجاء الحكم كفلق الصبح حول تلك الواقعة فقط لاغير.. أما فساد الحكم وما آلت إليه إحوال البلاد طول ثلاثين عاما لم يكن للقاضي أن يصدر حكما فيها ببساطة لأنها ليست القضية محل الدعوي المنظورة أمامه..وحيثيات الحكم أشارت بجلاء كيف توصلت المحكمة لحكمها وهي مرتاحة الضمير لإقامة العدل. أما إصدار الأحكام وخلط الأوراق بين الجنائي والسياسي دون دراية وزج العوام فيما يجهلون فما هي إلا أحكام ومحاكمات ظالمة.