مع استيلاء تنظيم داعش علي الموصل ثاني أكبر المدن العراقية في يونيو الماضي، تحدثت تقارير إعلامية عن استيلاء التنظيم علي 400 مليون دولار من بنوك المدينة، ورغم عدم تأكد تلك الأنباء إلا أن سمعة داعش كتنظيم ليس وحشيا فحسب وإنما أيضا فاحش الثراء قد ترسخت بالفعل. وفي يوليو الماضي، نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن حراس مسلحين من داعش كانوا ينتشرون علي بوابات البنوك في المناطق الخاضعة للتنظيم، ولم تنهب خزائن تلك البنوك، ورغم ذلك فإن أمريكا اكتفت بوضع قيادات داعش وأنصاره علي القائمة السوداء للتعاملات البنكية، دون وضع المؤسسات المالية العاملة في مناطق سيطرة التنظيم علي تلك اللائحة التي تحظر علي بنوك العالم التعامل مع المدرجين عليها. ورغم اتخاذ وزارة الخزانة الأمريكية في سبتمبر الماضي قرار إدراج 11 شخصا يساعدون في نقل الأموال والمقاتلين للمنظمات الإرهابية، من دول عدة تمتد من العراق إلي إندونيسيا، إلا أن البنوك في الموصل ومناطق أخري تحت سيطرة داعش لم تدرج بعد، وهو ما يظهر حجم التخبط في جهود واشنطن لمحاربة إمدادات تمويل داعش، فلم تقم بأي إجراء فعال لوقف هذه الإمدادات. اعتماد داعش في تمويلها علي ما تنهبه في عملياتها الإجرامية بسوريا والعراق، عبر الإستيلاء علي النفط وخطف مواطنين وغيرها، يجعلها أكثر اعتمادا علي مصادرها الداخلية في التمويل أكثر من التبرعات الخارجية، التي تعتمد عليها أغلب التنظيمات الإرهابية الأخري، كما أن ذلك يصعب من مهمة الولاياتالمتحدة في استخدام سلاحها الأبرز في محاربة التنظيمات الإرهابية وهو التضييق المالي عبر مصادرة الأرصدة وإغلاق البنوك وغيرها، خاصة أن داعش تعتمد علي الدفع النقدي وليس البنكي مقابل ما تبيعه من بترول أو آثار. وقال ديفيد كوهين رئيس وحدة مكافحة الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية قبل جلسة استماع بالكونجرس عقدت الخميس الماضي أن واشنطن تعمل مع السلطات العراقية والبنك المركزي العراقي والمؤسسات المالية الدولية لمنع داعش من استخدام الأرصدة الموجودة في فروع البنوك الموجودة علي الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، ويؤكد أن آثار تلك الإجراءات بدأت تظهر في تراجع قدرات داعش المالية خلال الفترة الماضية، وعدم قدرة البنوك في مناطق سيطرة داعش علي الدخول في النظام المالي العالمي. ويشير كوهين في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلي أن غارات التحالف الدولي بقيادة أمريكا علي آبار البترول التي تستغلها داعش قللت من مكاسب التنظيم المالية، حيث كان يحقق من قبل يوميا أرباحا تبلغ مليون دولار من عائد تلك الآبار إلا أن ذلك المبلغ تراجع إلي بضعة ملايين في الأسبوع، وهو ما قالت المجلة إنه تقديرات غير دقيقة. ويؤكد كوهين أن واشنطن مستمرة في تعاونها الاستخباراتي مع شركائها من الدول الأخري لمنع تدفق التمويل علي داعش. وتقوم شبكة مكافحة الجرائم المالية الأمريكية بعمليات تمشيط للبيانات المالية لجمع أي معلومات تتعلق بداعش، وذلك وفقا للمعلومات التي تجمعها أجهزة مخابرات واشنطن والعالم، وطبقا لما قاله متحدث باسم الاستخبارات الأمريكية قبل أيام. ويعتبر وقف وزارة الخزانة الأمريكية للتعاملات مع البنوك في مناطق سيطرة داعش مخاطرة كبري في ظل تأثير محتمل علي مصالح السكان المحليين بتلك المناطق, وهو ما دفع واشنطن لعدم إخراج تلك البنوك من النظام المالي العالمي بحسب كوهين الذي قال أيضا إن : "إنهاء الأنشطة الاقتصادية في مناطق سيطرة داعش ليس ضمن أولوياتنا، فهم يسيطرون علي مصائر ملايين البشر الذين مازالوا يحاولون الحياة، والبنوك مصدر هام لتسيير الاقتصاد".