أن الكارثة يمكن أن تحدث لنا لو أن تنمية مصر بدأت بتنمية سيناء. هذا هو الخط الأحمر الذي لا يجب أن نترك المصريين يقتربون منه بأي حال من الأحوال اتصل بي سامي شرف - فالرجل أكبر من جمع الألقاب – معقباً علي مقال الأسبوع الماضي عن تصور جمال حمدان لمستقبل سيناء. وحكي لي بمناسبة المقال أنه حدث في سنة 1968 أن أبلغه سكرتيره أن الدكتور جمال حمدان موجود بالمكتب ويطلب لقاءه لأمر هام. كان سامي شرف يشغل مدير مكتب جمال عبد الناصر للمعلومات والمتابعة بدرجة وزير. بل ربما كان أهم وزير في زمانه. كان سامي شرف يعرف جمال حمدان. ويدرك مشروعه، ويعرف أهميته. هرع إليه وأدخله مكتبه وهو سعيد بهذه الزيارة. قدم له جمال حمدان مشروعاً لمستقبل سيناء بعد عودتها إلي الوطن. كان العرض مكتوباً، يقترح فيه جمال حمدان إنشاء مقدمة لكل محافظة من محافظات مصر في سيناء – بعد تحريرها من دنس الاحتلال واسترداداها، والبدء في محاولة جعلها جزءاً أصيلاً من مصر - وأن يأتي بعض أهالي المحافظات وتختار كل مجموعة منهم المكان الذي يعيشون فيه. وأن يتم تحديد الأنشطة حسب كل محافظة. الغربية فيها مصانع المحلة الكبري. فتكون مقدمة المحافظة ذات طابع صناعي. وإن كانت ساحلية يصبح من حقها أن تستقر حول بحيرة البردويل. والمحافظات ذات النشاط التعديني تستقر في أماكن من سيناء. تشير الدراسات إلي احتمال وجود مواد تعدينية فيها. أما محافظات الزراعة مثل البحيرة والقليوبية والمنوفية والشرقية. فتكون في منتصف سيناء حيث يكمن مستقبل زراعي فيها. بعد مدها بالمياه الصالحة للشرب والزراعة. وأن تتولي القوات المسلحة تأمين سيناء من الأخطار الداخلية أو الخارجية التي يمكن أن يتركها العدو قبل الرحيل عنها. مثل مسمار جحا في الحكاية القديمة التي رددها المصريون تجاه الاحتلال الإنجليزي في النصف الأول من القرن العشرين. عرض سامي شرف الأمر علي عبد الناصر الذي سعد به بلا حدود. وقال أنه كان يفكر في قضية زراعة سيناء بعد استردادها بالمصريين حتي لا يتكرر ما سبق أن جري. ولكنه عندما عبر عن فكرته التي كانت تملأ خياله. فإن بعض رموز الدولة وقتها لم تتحمس للمشروع. بل عارضته. وحدد لي بعض الأسماء وطلب عدم نشرها. يحكي سامي شرف بعيداً عن واقعة جمال حمدان أن ناحوم جولدمان الصهيوني الأول في العالم سأل ديفيد بن جوريون عندما كان رئيساً لوزراء إسرائيل. هل قرأ كتاب عبد الناصر: فلسفة الثورة؟ فأجابه أنه قرأ الكتاب. واكتشف أنه عبارة عن كثير من العبارات الإنشائية والجمل العاطفية. عاد ناحوم جولدمان يسأله هل قرأت الفقرة التي يتحدث فيها عن تنمية مصر؟ هل تعرف معني تنمية مصر؟ إنه يعني نهاية إسرائيل. هل فهمت؟ رد عليه: نعم فهمت يا سيدي. أكمل جولدمان أن الكارثة يمكن أن تحدث لنا لو أن تنمية مصر بدأت بتنمية سيناء. هذا هو الخط الأحمر الذي لا يجب أن نترك المصريين يقتربون منه بأي حال من الأحوال. يعود سامي شرف لجمال حمدان ويقول أنه يناشد كل المسئولين المصريين باقتناء وقراءة وتدريس موسوعة جمال حمدان: شخصية مصر. ويجب أن تكون مقررة في المدارس والجامعات وكل معاهد التعليم في مصر. سامي شرف هو حارس التجربة الناصرية. صاحب الذاكرة الحديدية. الذي يتابع – بشكل يومي – كل ما يجري في العالم انطلاقاً من الحرص علي التجربة وحمايتها. وهو يعتبر أن المنجز الناصري ومكتسباته قضية عمره. ثم إن سامي شرف يقدم لنا وللدنيا كلها – قبل هذا وبعده – صورة المسئول الكبير. الذي كان عند قمة السلطة. نظيف اليد. له موقف عفيف من مسألتي السلطة والمال. ولديَّ الكثير مما يمكن قوله حول هذا الأمر. وإن كنت لا أحب الاستطراد فيه. فنزاهة الرجل يجب أن تبقي سره الخاص. فهو لا يحرص عليها من أجل التباهي بها وإعلانها. لكن النزاهة ونظافة اليد كانت من سمات التجربة الناصرية في الحكم بدأت معها وانتهت بنهايتها. فيوم استشهاد جمال عبد الناصر بدأ اللصوص في نهب مصر. وما زالوا يمارسون نهبهم لها حتي اليوم.