د. أحمد نوار منذ عدة سنوات كان لي حظ وفير ان أعيش بين الحروف والكلمات والسطور لهذه الرسالة التي عرفت مكانها.. وكنت سعيداً لأنها كانت قبل الطبع ورغبت أن أهدي كاتبها الأستاذ الدكتور حسين كامل بهاء الدين تصميماً لغلاف هذا الكتاب الرائع.. وهو لإحدي لوحاتي التي تعبر عن المشهد العلمي لصورة مصر الافتراضية بالمستقبل، والكتاب الذي يحمل الرسالة عميق ويحتاج إلي تأمل شديد وصفاء ذهني ونفسي، ويقول الكاتب في المقدمة. تأخرت هذه الرسالة أو الكتاب عدة سنوات أولاً لأسباب إنسانية سيأتي يوم أفصح فيه عن تفاصيلها.. وثانياً لعدم الإستدلال علي العنوان الصحيح للمرسل إليه إلي أن وجدت الرسالة طريقها أخيراً إلي ميدان التحرير حيث وُجِدت صفوة من شباب هذا الوطن كانوا علي موعد مع القدر، اقتضي التأخير تحديث بعض البيانات والإحصاءات التي لا تمس جوهر الرسالة، من ليس له ماض فليس له مستقبل، قول مأثور تأكد صدقه علي مر العصور تعلمناه وحفظناه وقليلا ما استوعبناه. كانت تجارب الماضي وعظاته درسا ونبراسا لمسيرة الشعوب من استوعبها سلم ومن عمل بها غنم، ولكن رسالة الماضي في وقتنا هذا لم تعد كافية في مواجهة المستقبل وأمواجه الهادرة وأعاصيره الهائلة، فلابد لنا ونحن نلتفت إلي الماضي ونأخذ من عظاته، أن نتسلح بالقدرة علي الرصد والحلم والبصيرة، وكما يعطي الماضي دروسه وعظاته وينبئنا بتجاربه وأحداثه، فإن المستقبل يبعث، لمن أعدوا العدة وتفتحت عقولهم وقلوبهم، باشاراته، وإرهاصاته، ومن فهمها وأحسن قراءتها كانت له هادية ولأمته حامية، ومن أغفلها أو تجاهلها أو اخطأ في تفسير رموزها، فاجأته الرياح واقتلعت جذوره الأعاصير وألقت به الي متاهة التاريخ وهوة التطرف والضياع. في هذا الزمن الأليم عصر الهوان، تعددت الرسائل إلي هذه الأمة العربية المنكوبة ولا من مجيب، وتعددت النداءات ولا من مستجيب، أمة شغلت بحاضر مرير عن الماضي والمستقبل معاً، وأصمت آذانها وأغمضت عيونها عن دروس الماضي وعظاته، وأغلقت عقولها وأوصدت قلوبها عن التفكير في المستقبل، البعض أغرقته مشاكل البحث عن لقمة عيش عزت في زمن البطالة والغلاء، والبعض استغرقته أحلام اليقظة وسيطرت عليه نشوة الملذات العارضة في جمع المال وزهو المظاهر والسلطان، والبعض الآخر دفعت به غربة، مكانية موحشة، إلي هجرة زمنية سحيقة ألقت به إلي هوة التطرف والضياع، والندرة النادرة ظلت علي إيمانها تستمتع وتحلل، إيمانها بالله مرده الآية الكريمة «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً» الكهف 30. وحبها للوطن أصله في جينات انتقلت إليهم عبر آلاف السنين من الجدود العظام، ومن ولاء ووفاء أصبح جزءا من كيانهم، ولاء للمبادئ وانتماء للوطن الذي استودعهم الخالق العظيم أمانته وكلفهم بإعماره مادام فيهم عرق ينبض، وإحساس مسئول بأنه من الظلم الفادح أن يورث هذا الجيل أفلاذ أكباده وأحفاده ميراثا من العار والخنوع والضياع. يضع هذا الكتاب النقاط علي الحروف ويلفت الانتباه إلي أهمية بناء فكر متوازن يستوعب دروس الماضي وفك شفرات المستقبل.