فالرئيس ليس هو العامل الوحيد في النجاة من كل هذه المخاطر، ولكن المطلوب من الكل ان يفهم ويعي جيدا ما نحن فيه الان، ويعمل ايمانا منه بأن ما يقدمه سوف يساهم في تقليل الاخطار. لايزال الخطر قائما، ولازلنا لم نحقق من اهداف 30 يونيو 2013 الا انقاذ مصر من حكم الاخوان الجائر، ولكن يبدو اننا استرحنا واسترخينا واكتفينا أن رئيسا جديدا تولي الحكم، وتركنا له الامر يدبره كيفما يشاء دون ان نتحمل نحن مسئولياتنا كأصحاب اصليين لهذا الوطن.. فلا يخلو اي مجلس من النقد واللوم للحاكم والحكومة بسبب اسلوب مواجهة الازمات التي تضخمت واصبحت تحاصرنا لسنوات وسنوات.. والنقد امر محمود يعكس رغبة ابناء الوطن في حياة كريمة.. ولكن لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون ظاهرة صحية اذا لم نكن ندرك خطورة الظرف الذي تمر به مصر. وقد امتد هذا اللوم مؤخرا ليطال الرئيس الجديد، والذي لم يكمل شهرين في منصب الرئيس، والذي جاء لهذا الموقع بناء علي رغبة شعبية جارفة. وكأن التحول من الفشل للنجاح مرهون فقط بتغيير الرئيس وكأن الدولة كلها تختزل فقط في شخص الرئيس. ولكن الحقيقة ان شخصا بمفرده لا يمكن ان يواجه كل المشكلات المتراكمة، الاخطار التي تحدق بنا، فمصر خرجت من حكم الرئيس الاسبق مبارك متخمة بمشاكل اهمها تغيير نوعية المواطن المصري التي حذر عدد كبير من مخلصي هذا الوطن منها ولم ينتبه لها احد، حتي اندلعت ثورة 25 يناير والتي رغم نبل مقاصدها، الا انها اظهرت اسوأ ما في شعب مصر. فطالب الجميع بزيادات في الرواتب دون ان يقابل ذلك زيادة في العمل، واصبح المنطق السائد ان التظاهر وسيلة للكسب، ولم يترك ذلك الا اعباء اقتصادية ندفع ثمنها حتي الان.. وسنظل لسنوات تالية كذلك اذا لم يرتبط الاجر بالانتاج، وضاع الاحساس بالامن، ولم يستفد من هذا العبث الا الاخوان الذين استخدموا هذه الحالة في تأليب الرأي العام لمكاسب سياسية لهم انتهت بتتويجهم كحكام لمصر وسط حالة من احساس بالتفاؤل لدي المواطنين الذين استخدموهم، واحساس بالتشاؤم لدي من كانوا اكثر الماما بخطط الاخوان. ووجدنا انفسنا امام قادة من نوع جديد، ليس لديهم مانع من تقسيم الوطن وبيعه لقوي غربية في مقابل الاستمرار في الحكم، فالجماعة لديهم اهم من المواطن. وسرعان ما اكتشف الشعب حقيقتهم، وثار ضد حكم الاخوان في ثورة اخري في 30 يونيو. لتزيد مشكلات مصر مشكلة اكثر خطورة، فالاخوان الذين ذاقوا الحكم ولم يصدقوا انفسهم، لم يعد سهلا عليهم ان يتركوه، فعادوا لإرهابهم القديم، واصبحت مصر تواجه خطر الارهاب، وهو خطر اقسي واشد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها مصر، فالخطر يكون اصعب في مواجهته اذا جاء من مواطن يبدو طبيعيا داخل وطنك، ويسير معك في شارعك، وربما يتناول معك في نفس طعامك. وما يقلقني فعلا هو تلك المبالغة التي نصف بها انفسنا، وبخاصة بعد 30 يونيو، والاعتقاد بأننا اجهضنا المشروع الامريكي في منطقه الشرق الاوسط، والحقيقة اننا فقط عطلنا هذا المشروع الذي تظهر ملامحه بوضوح في سوريا وليبيا والسودان والعراق، وان الولاياتالمتحدة لاتدخر جهدا في سحب البساط من تحت ارجل مصر، وما حدث مؤخرا في ازمة القصف الاسرائيلي لغزه، وخاصة بعد طرح مبادرة مصرية متوازنة وموافقة الاطراف عليها ثم تراجعها برعاية امريكية تأكيد علي ذلك. لازال الوقت مبكرا جدا علي توجيه اللوم لهذا وذاك، فالخطر لايزال قائما في الداخل ومن الخارج، وربما هذه المرحلة التي نعيشها هي الاخطر في تاريخ مصر الحديث علي الاطلاق، وهذا يتطلب منا تعاونا اكبر. فالرئيس ليس هو العامل الوحيد في النجاة من كل هذه المخاطر، ولكن المطلوب من الكل ان يفهم ويعي جيدا ما نحن فيه الان، ويعمل ايمانا منه بأن ما يقدمه سوف يساهم في تقليل الاخطار. الحقيقة ان نهضة اي امة تعتمد علي عوامل مختلفة، أولها توفرقيادة واعية لديها رؤية واضحة وخطة عملية محكمة لتنفيذ هذه الرؤية، واحسب هذا العامل متوفرا الي حد كبير، ولا يقل عنها اهمية عامل المواطن العامل الدؤوب المخلص في عمله والحريص علي وطنه، وكذلك حكومة لديها القدرة علي التصرف في المواقف والمحاسبة عند الضرورة. وربما ينتقدني البعض علي صراحتي، فقد جري العرف ان نصف انفسنا اعلاميا بأننا اعظم شعوب الارض اعتمادا علي تاريخنا، ولكن التاريخ لاقيمة له اذا تاه منا المستقبل، ولا مستقبل لنا ان لم نفكر في سبل تحسين نوعية الوطن والمواطن. والافضل ان يصفنا الاخرون بأننا اعظم شعوب الارض لاننا استطعنا ان نتغلب علي مشاكلنا ونصنع لانفسنا مستقبلا افضل.، ولا مستقبل لنا ان لم نكن جميعا شركاء في مواجهة ازمات الوطن ولدينا شعور بالخطر الحقيقي الذي لا يزال يتربص بنا.