لا شك أن الإرادة الشعبية التي تجلت مظاهرها ابتداء من 25 يناير 2011م، ثم بدأت تتخلص ممن ركبوا موجتها في 30 يونيو 2014م، ثم بدت أكثر وضوحًا في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية 14-15 يناير2014م، ثم في الانتخابات الرئاسية 26-28 مايو 2014م التي جاءت بإرادة شعبية غير مسبوقة في التاريخ المصري، مما يبعث برسائل ذات دلائل تستحق التحليل: 1- إن الشعب المصري قد عرف طريقه وأدرك حجم المخاطر التي تهدده في الداخل والخارج، في الداخل من قوي الإرهاب والتكفير ودعاة العنف والتشدد، ومن حاولوا ومازال بعضهم يحاول توظيف الدين لمصالح خاصة حزبية أو مذهبية، ومن حاولوا الاستئثار بخيرات وثروات هذا الوطن لصالح الأهل والعشيرة، وحاولوا أن يستبدلوا قيدًا بقيد واستبدادًا باستبداد أخطر تحت مظلة ما يسمي بالسلطة الدينية، والحكم الربّاني، والحاكم المُلهم، مع تحريك الخلايا النائمة والكامنة التابعة لهم في بعض الدول الشقيقة، مما صار يشكل خطرًا علي الأمن القومي للأمة العربية كلها . وعلي المستوي الخارجي أدرك الشعب المصري، بل أدركت الأمة العربية كلها حجم المخاطر التي كان يتعرض لها الوطن العربي كله بمحاولة إسقاط الدولة المصرية، وإدخالها في عالم الفوضي أو الحرب الأهلية، وصولا إلي إنهاك قوّاتها المسلحة التي هي درع الأمة العربية وسيفها، حتي أدرك كثير من المثقفين والمفكرين العرب أن المنطقة العربية كانت تتعرض لمحاولة فرض «سايكس بيكو» جديدة، لكنها أخطر وأشد، فمصر صمام الأمان للأمة العربية كلها. 2- ان الشعب المصري سئم حالة الانفلات والفوضي، وصار رافضًا بقوة لكل مظاهر الإرهاب، وبخاصة تلك الجماعات الإرهابية المجرمة التي تستهدف أمن الوطن واستقراره، وجيشه وشرطته، وتتخذ من الهدم والتخريب والتفجير والعمليات الانتحارية مسلكًا يهدد حياة أبناء الشعب المصري كله، فما من بيت إلا وله ابن من أبنائه أو أحد أفراد عائلته في الجيش أو الشرطة، أو يعمل عملا يتهدده الإرهاب، وأدرك الجميع أن الأوضاع الاقتصادية لا يمكن أن تتحسن في ضوء سطوة أو سيطرة أو نفوذ تلك الجماعات الإرهابية التكفيرية، وأنهم في حاجة إلي قائد قوي يُخلّص الله ( عزّ وجلّ ) الوطن علي يديه من كل مظاهر الفوضي والإرهاب، ليبدأ الجميع يدًا بيد دورة العمل والإنتاج، بالجهد والعرق، وصولا إلي التقدم والرخاء، وما يحقق لمصرنا الغالية ما يطمح إليه أبناؤنا من مكانة سياسية واقتصادية، لتعود إلي قيادة وريادة أمتها العربية، وتكون سندًا قويًا لأشقائها ولأمتها العربية والإسلامية ولعمقها الإفريقي. 3- إن الشعب المصري شعب ناضج وفيّ أراد أن يرد الجميل إلي رجل حمل روحه علي كفه في اللحظات العصيبة من أجل هذا الشعب، ومن أجل ألا يُروّع أحد من أبنائه، فأراد أن يقابل جميلا بجميل، وليس الأمر هكذا فحسب، إنما هو أمل يتملك كل من خرجوا إلي الصناديق وكلهم ثقة في أن الأفضل قادم، وأن مصر مقبلة علي مرحلة جديدة، بقيادة وطنية مخلصة، تعمل علي إزاحة الإرهاب عن كاهلهم إلي غير رجعة إن شاء الله تعالي، كما تعمل علي تحقيق العدالة الاجتماعية بالعناية بالطبقات الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا، تعمل علي أن تعود للمواطن المصري كرامته ومكانته حيثما حل وأينما ارتحل . 4- خرج الشعب بهذه الإرادة الشعبية الكاسحة ليرد علي من يقول إن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية، خرج في واحدة من أكثر الانتخابات نزاهة وشفافية في تاريخ مصر، لم يستخدم فيها المال المشبوه، ولا الزيت ولا السكر، ولا العنف ولا البلطجة، ولا الوعود الكاذبة الخدّاعة . خرج الشعب المصري ليرد علي من كانوا يظنون أو يتوهمون أن جماعة الإخوان الإرهابية هي فقط التي كانت لديها القدرة علي الحشد وتجييش الناخبين، عن طريق الإغراء المادي، أو الخداع الديني، أو استغلال حوائج الناس، فخرج الناس ليدحضوا كل هذه الأوهام، ويفندوا بإرادتهم الكاسحة ومشاركتهم المشرقة تلك المزاعم التي سوّق لها الإخوان عبر آلتهم الإعلامية الممولة من الداخل والخارج . 5- خرج الشعب ليسمع القاصي والداني صوته، ولتصل رسالته إلي داعمي الإرهاب والإرهابيين في الداخل والخارج، أن حضارة المصريين وروحهم السمحة التي استلهموها من الإيمان بالله (عزّ وجلّ)، ثم من واقع طبيعتهم المتحضرة الآمنة المستقرة، ترفض كل ألوان العنف والإرهاب، وهي تمدّ يَد السلام للعالم كله في ضوء الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة من الدول . 6- خرج الشعب المصري ليوجه لطمة قوية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وليقضي علي ما تبقي لدي داعميه من أمل، وليؤكد أن من أراد مصر بسوء فسيرد الله (عزّ وجلّ) كيده في نحره.