فاتن عوض منذ أيام فآجاتنا واشنطن بتراجعها عن قرارها السابق بتعليق المساعدات العسكرية لمصر واقرار تسليم القاهرة عشرة طائرات اباتشي. فما هو الدافع وراء هذا التراجع؟! ربما يكون توقيت اقرار الميزانية الامريكية بنهاية شهر ابريل وبداية أول مايو هو السبب وراء تراجع واشنطن عن قرارها والعزم علي تسليم مصر طائرات الاباتشي وربما جدية مصر في تنفيذ استحقاقات خارطة المستقبل والتي تقترب من نهايتها باستحقاق الانتخابات الرئاسية التي بدأت وسيعقبها مؤكداً الاستحقاقات البرلمانية، اذن تتداعي حجج واشنطن ودوافع عدائها للقاهرة بعد ثورة 30 يونيو واحدة تلو الأخري. وربما ادركت واشنطن خسارة الرهان علي جماعة الإخوان وحتي الآن لا توجد أي معايير محددة حول كيفية قيام الإدارة الأمريكية بتقييم ما يحدث في مصر وخطواتها الجادة في مسيرة العملية الديمقراطية، وما هي الخطوة القادمة التي تتعلق بتسليم باقي الاسلحة المتعاقد عليها، والأموال المخصصة لمصر في حال تجميد القرار الأمريكي، واتخاذ قرار بمواصلة تقديم المساعدات العسكرية التي تم تأجيلها. وهي السابقة الاولي من نوعها منذ عقد معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 والتي تعد خرقا من جانب الولاياتالمتحدةالامريكية لمعاهدة السلام، لأنها لم تكن مجرد شاهد توقيع بل ضامن لتنفيذ شروط المعاهدة واستمرار بقائها، والحكم بين الطرفين الاقليميين مصر وإسرائيل في حالة حدوث خرق والتهديد بخرق المعاهدة من قبل من الطرفين، فإن الولاياتالمتحدة ستقوم - بناء علي طلب أحد الطرفين أو عليها - بالتشاور مع الأطراف في هذا الشأن وستتخذ الإجراءات الأخري التي تراها مناسبة لتحقيق الالتزام بهذه المعاهدة.. بنص «وثيقة سرية». فالمعاهدة إذن ليست فقط اتفاقية بين طرفين إقليميين بل اتفاقية دولية ثلاثية الأطراف مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة التي اصبحت الحارس الوحيد والضامن لقيام الإطراف المعنية بتنفيذ الالتزامات الواردة بالمعاهدة ومراقبة التنفيذ نصا وروحا تحقيقا لامن إسرائيل وسلامة مصالحهما المشتركة، لذا اخذت واشنطن علي عاتقها مهام التنفيذ والمراقبة والاجراءات اللازمة إزاء خرق المعاهدة اوحتي التهديد بخرقها. فضلا عن التزام واشنطن بمعارضة كل إجراء أو قرار في الاممالمتحدة يتعارض ومعاهدة السلام وإن من شأن هذه التهديدات ردع نظام السادات وأي نظام يخلفه من انتهاك المعاهدة أو حتي التفكير في مثل هذا الامر. وهو ما يفسر تصريحات القاهرة بالالتزام بمعاهدة السلام مهما تغيرت الانظمة وتغيرت الظروف فماذا يكون الوضع إذا كانت الولاياتالمتحدة هي التي اتخذت اجراءات مخالفة لمعاهدة السلام بل تعد خرقا للمعاهدة. وهو ما يمكن استغلاله، ففي هذه السياق قد تلجأ مصر إلي التهديد أو التلويح بمراجعة معاهدة السلام. ورغم صعوبة التحرك علي هذا المسار وتعقيداته لأن مجرد التلويح به يمثل اداة ضغط علي كل الاطراف!! وعلي آية حال، فإن القرار يأتي في إطار عملية التقييم الاستراتيجي التي قامت بها الإدارة الأمريكية للمساعدات والمعونة لمصر بعد ثورة 30 يونيو، وهو جزء من خيارات التحرك التي وضعتها واشنطن للتعامل مع الموقف دون اللجوء إلي إعلان رسمي بأن ما حدث يمثل «انقلابا عسكريا» مع مراعاة أن استمرار برامج أخري من المساعدات تشمل الصحة والتعليم وتنشيط القطاع الخاص وهو ما يسمي بالمساعدات الاقتصادية والتي قد تم تعليق جزء منها وتحويله لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وذلك بقرار الرئيس بوش علي خلفية قضية أيمن نور وتحويل جزء من المساعدات لمركز بن خلدون. فاستخدام ورقة الضغط بالمعونة ليس بجديد والهدف هو ممارسة ضغوط علي المؤسسة العسكرية المصرية لتحجم دورها الوطني.والانحياز للشعب في الحفاظ علي الأمن المصري، وفقا للعقيدة العسكرية للجيش المصري، فهذا الدور الذي ينطلق في الأساس من المصالح المصرية ويعلي الاعتبارات المتعلقة باستقلالية القرار الوطني وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية، بدأ يثير قلق لدي الدوائر الأمريكية، وخاصة في ظل دلائل ومؤشرات تزايد شعبية المشير عبدالفتاح السسي، وتكليفه من قبل الشعب المصري بالترشح لتولي منصب رئيس الجمهورية، فواشنطن لا ترغب في تكرار تجربة عبدالناصر مرة أخري وهو ما حاربت من أجله من أكثر من 40 عاماً بجميع الوسائل وشتي الطرق أقلها وابسطها رشوة المعونة!! التي حولت مصر إلي التبعية الكاملة للاستراتيجية الأمريكية وغرقت في متاهات الديون وفتحت اسواقها للاستيراد السلعي وتكريس ثقافة الاستهلاك واشترطت المعونة اطلاق العنان للقطاع الخاص وتحجيم القطاع العام والغاء الدعم وتعويم الجنيه المصري.