رغم تقدم جنوب افريقيا الحضاري الذي يعترف به الجميع، انتهز العنصريون ،خاصة في الغرب، فرصة استضافتها لكأس العالم الاخيرة لكرة القدم للتعبير عن افكارهم العنصرية المريضة. وخلال الفترة التي سبقت انطلاق فعاليات البطولة ارتفعت اصوات هؤلاء المتعصبين تشكك في إمكانية أن تستطيع دولة افريقية نامية تنظيم هذا الحدث الدولي المهم. وسخرت هذه الاصوات البغيضة من إقامة البطولة (في أدغال وأحراش افريقيا). كان هدف هذه الاصوات العنصرية هو الايحاء بأن جنوب افريقيا سوف تفشل حتما في تنظيم وإدارة هذه البطولة، لكن ما حدث بالفعل كان صدمة لهؤلاء العنصريين حيث نجح الافارقة بامتياز وبشكل أفضل مما فعلته العديد من الدول المتقدمة التي أقيمت فيها دورات كأس العالم السابقة. وأبرز دليل علي هذا النجاح ما أكده جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عندما وجه الشكر لجنوب افريقيا علي روعة إدارتها للبطولة وقال إنه إذا كان تقييم النجاح بالدرجات فإنه يعطي لجنوب افريقيا تسعة من عشرة. ولولا أنه يريد أن تسعي الدول التي ستستضيف كأس العالم في السنوات القادمة لبلوغ درجة الكمال لكان قد أعطي جنوب افريقيا عشرة من عشرة. ومن أبرز المنجزات التي حققتها هذه الدولة الافريقية في إطار استعداداتها لاستضافة بطولة كأس العالم تلك الاستادات العشرة المبهرة التي أقيمت عليها المباريات والتي وصفتها إحدي الصحف المحلية في جوهانسبرج بقولها "إن هذه الاستادات هي أروع شيء بنته افريقيا منذ الاهرامات." ورغم أن جنوب افريقيا تشهد أعلي معدلات الجرائم في الظروف العادية (50 جريمة قتل و150 اغتصاب و200 سرقة كل يوم) إلا أن هذه المعدلات انخفضت بنسبة غير مسبوقة خلال فترة مباريات كأس العالم. ولم تقع حوادث تذكر أو مشكلات ذات قيمة خلال هذه الفترة. هذا النجاح تحقق لان جنوب افريقيا قبلت التحدي وحشدت كل طاقاتها حتي تظهر أمام العالم بهذه الصورة المشرفة. ومن الواضح أن جنوب افريقيا استوعبت عبارة خالدة وردت في خطاب باتريس لومومبا زعيم الكونغو العظيم عام 1960 عندما قال: "سوف نظهر للعالم ما يستطيع الرجل الاسود أن يفعله عندما يعمل في مناخ من الحرية."ورغم أن لومومبا لم يكن يقصد بعبارته كرة القدم أو كأس العالم إلا أن المعني الذي أراده تحقق بشكل أو بآخر في هذا الانجاز الكبير الذي قامت به جنوب افريقيا حكومة وشعبا أمام عيون مئات الملايين من سكان العالم الذين بهرتهم سلوكيات الجماهير الافريقية المتحضرة والاداء المنضبط لجميع المساهمين في تنظيم هذه البطولة بداية من الزعيم العظيم نيلسون مانديلا وحتي الاطفال ذوي البشرة السمراء الذين كانوا يرافقون اللاعبين إلي أرض الملعب قبل كل مباراة. وربما كانت السلبية الافريقية الوحيدة خلال هذه البطولة هي أن جميع فرق افريقيا المشاركة ، بما في ذلك جنوب افريقيا، قد خرجت من المنافسة بعد الدور الاول باستثناء غانا التي خرجت من دور الثمانية. ومن المؤكد أن افريقيا سوف تعالج هذه السلبية في بطولات كأس العالم القادمة لكي تفوز بالكأس وتهزم كل الافكار العنصرية الكريهة، علي الاقل في مجال الرياضة، وبالتحديد تلك اللعبة الشعبية الساحرة المعروفة باسم كرة القدم.