د. أحمد نوار فاجأنا الفنان رضا عبدالرحمن بمعرضه الجديد ذات الأعمال الفنية الصرحية التي إعتاد السيطرة عليها والسباحة في فضاءاتها مكتشفا وباحثاً ومستلهماً من أعماق هذا الفضاء الغامض وصولا الي الجذور المصرية القديمة، ولد رضا في مدينة الإسماعيلية؟! ودرس في جامعة المنيا بكلية الفنون الجميلة، التي تتوسط مجموعة من الآثار الفرعونية والأديرة القبطية الاشمونية بني حسن، تل العمارنة، تونه الجبل والتي أثرت علي فكره واسلوبه كواحد من الفنانين المعاصرين الاكثر ارتباطا بالتاريخ في مصر، وإستطاع بتمكنه في فن الرسم أن يضع حدوداً لاستثمار هذه الميزة التي يفتقدها الكثير من الفنانين، وهذا يعد ذكاء إبداعيا لعمق ثقافة إدراك الفنان بإمكاناته الواجب عليه تنميتها وتطويرها وتفعيلها في فضاء أعماله الفنية. وهذا ما يحدث في أعمال الفنان رضا الذي جعل من التزاوج التراثي والرؤية الفنية المعاصرة، شكلا جديداً لحلم فنان يتحقق علي فضاء بصري ملموس، وتميزت أعمال الفنان الجدارية بتنوعها وضخامتها في مختلف محافظات مصر، مما أثر ذلك علي ضخامة مساحات أعماله الفنية، والفنان رضا عبدالرحمن كان ومازال له مساهمات ومشاركات في إقامة المعارض الخاصة والجماعية بالاضافة الي مشاركاته، في عدد من المبادرات الرامية الي تعزيز العلاقات بين الشرق والغرب علي الساحة الفنية المصرية والدولية. كما أسس الفنان مجلة فنية ثقافية تحت إسم «بورتريه» وقام بتمويل طباعتها علي نفقته الخاصة لعدة سنوات، من أجل نشر الثقافة الفنية وتعميقها في المجتمع، والفنان رضا عبدالرحمن سبق أبناء جيله والأجيال السابقة عليه في فن الرسم والتصوير، بالاضافة الي عمق رؤيته وبساطة ويسر سريان مفرداته عبر فراغ ذات عمق فسيح، تتحرك الزهور في كل مكان تتلمس الفضاء والإنسان كنوته موسيقية مؤلفة بإحكام وإقتدار، وأحيانا أشعر بحركة الزهور كأنها نابعة من الروح أو حاملة الروح، نبض مستمر في كل مساحة لون عبر عالم تتدفق من خلاله رموز ودلالات الاسطورة، وفي كتالوج المعرض المقام حاليا بقاعة العرض «مصر» الذي يديرها الفنان محمد طلعت مقدمة للناقد والباحث الدكتور ياسر منجي. هنا نكون قد وضعنا أيدينا علي مفتاح الشفرة التي تمكننا من ولوج فعالية معرض! «أسطورة» اذا يعاود رضا مراودة انثاه الفنية عن أسرار ألقها الجمالي، جاعلاً منها «شهرزاد البوح» التي لا تكتفي هذه المرة بحكاية الحكايات نيابة عن أصحابها، بل تتصدي لتشخيص هذه الحكايات تشخيصا بصريا، تتخذ فيه من صورتها الذاتية مرآه، تتشتت علي سطحها الغوائي، أحلام المهمشين المحرومين آنا، وتنعكس علي مفاتنها أصداء قديمة من اقاصيص الجداب واللائي ورثنها عن جدود الجدود لتتماهي في نسيجها موروثات «غابرة» موشومة ببقايا روائح مصر القديمة، وأنداء من صباحات مصر القبطية- الاسلامية ومساءاتها ما ترحت تتفاعل، في مسار تيار جار من زخم شعبي حي، تتخذ فيه المرأة موقعا مركزيا، باعتبارها شريكا للرجل في الانتاج، وملاذا للدفء من عوادي الزمن وذاكرة لحفظ التراث الجمعي، بعاداته وتقاليده وممارساته وقصصه، ومسئوله عن نقلها من جيل لجيل، فضلا عن دورها الكوني، الذي لم تتوقف عن لعبه منذ بدء الخليقة، بوصفها مصدراً لابتعاث المسرات الجمالية والحسية. والفنان رضا تمكن من العطاء المتميز من خلال جمعية محبي الفنون الجميلة كأمين عام لها، والفترة القادمة ستشهد من الانشطة المفاجأة للجمعية، ورضا يعد من خريجي أول دفعه بفنون جميلة المنيا 1988 عندما شرفت بتأسيسها وعمادتها، ومنذ بدايته كان لافتا للنظر نشاطا واصرارا وتحديا لتحقيق حلم كامن بداخله، ربع قرن من الزمان منذ تخرجه وقد حمل كما وكنزا كبيرا بصريا، واحتفظ به في الذاكرة البصرية مما عاشه وتفاعل معه علي شاطيء نيل مصر العظيم من آثار غير مسبوقة في بنائها وروعة جمالها وعمق تعبيرها، في أعمال رضا نجد المرأة هي البطل، والطائر والحيوان والاسماك والزهور. البناء التشكيلي في معظم الاعمال معقد لكون العناصر قائمة بذاتها وسط فراغ منسوج بين زهوره وفراغاته في مصفوفة نابضة بالطاقة التي تتولد وتتوالي وكأن الروح كامنة فيها، وتتميز بعض الأعمال الفنية بالتماثل والتوازن في نفس الوقت، والبناء التشكيلي في معظمه يتألف بين افقيات ورأسيات العناصر وحركة تبادل طاقة اللون الكامنة في هذه العناصر المتوهجة، وعندما نتأمل الوجوه المرسومة بعناية والمظللة بدقة نكتشف عالما مليئا بالأسرار وعمقا تعبيريا غير مسبوق، وبدون افتعال. ويأتي هذا العمق استجابه لسريان منظومة الفنان وقدرته علي السيطرة علي أدواته، فتصل المشاعر وتتدفق بفعل هذه الطاقة الثقافية والذاكرة البصرية الفنية، مضافا الي قاعدة البناء الجمالي المنفرد. يذكرنا الفنان رضا عبدالرحمن بالفنان «سلفادور دالي» مع إختلاف الأسلوب والزمان والمكان دالي تمكنه من الرسم حقق له فنا عظيما علي مدي التاريخ وكانت زوجته «جالا» هي البطل في كل لوحاته، فالفنان رضا أحسن استثمار تميزه وتمكنه في الرسم، فحقق فنا رائعا ومصرياً خالصاً، ونهر الفن يقدم الفنان وينتظر منه مزيدا من الإبداع لإثراء الحركة التشكيلية المصرية والعربية.