تجربة مريرة.. تجعلني لا أصدق وعد مسئول ولا آمل خيرا في تخصيص مكتب أو ديوان لمظالم الناس.. متي نتخلص من أسوأ عاداتنا وآفتنا العلمية.. دراسات وبحوث بين سطورها خبرة وعلم خيرة علمائنا.. وفحواها حل معضلات حياتنا.. وفي النهاية مصيرها.. أرفف وأدراج المكاتب.. وبعد زمن قصر أو طال نبدأ الكرة من جديد.. ندرس ونبحث.. وكأن شيئا لم يكن.. ومن يريد أن يعرف بعيدا عن السياسة.. مصر أين.. اليوم.. وبعد 5 سنوات.. وبعد 40 عاما.. وبعد قرن.. عليه فقط أن يقرأ.. يتمعن.. يتدبر.. أول جهد علمي جماعي لنخبة من خبراء مصر.. لا يخطر علي بالك موضوع أو قضية.. كركائز أساسية لتقدم مصر ونهضتها.. إلا وتم رصدها.. وكيفية معالجة المشاكل التي تواجهها.. نقص موارد.. بطالة.. مياه.. بحث علمي.. تعليم.. اسكان..عشوائيات.. دعم.. أمية. فقر.. صحة..طرق..نقل.. سياحة.. تنمية.. استثمار.. صناعة.. تجارة.. سيناء.. الصعيد.. الوادي الجديد.. حلايب وشلاتين.. روتين.. بيروقراطية.. مركزية.. أمن قومي.. أولويات عاجلة.. متوسطة.. آجلة.. تهديدات حدودية.. خارجية.. كل هذا واكثر في «المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية».. وثيقة في مجلدين عكف علي الانتهاء منها عام 2011 المهندس فتحي البرادعي وزير الاسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة في هذا الحين.. من خلال مجموعة عمل من رجال مصر الشرفاء الخبراء والعلماء في كل التخصصات.. وتحت مظلة الهيئة العامة للتخطيط العمراني. هذا الموضوع.. من المفترض الا يتم الحديث فيه الآن.. وانما مع حكومة قادمة بعد الانتخابات البرلمانية.. ولكن عدة اسباب تدعونا للنقاش حوله بجدية.. اولا.. لأول مرة في مصر مخطط شامل مدروس يحتاج إلي وضع التنفيذ.. هو هدية لبرنامج انتخابي للرئيس القادم.. وبرنامج عمل لحكومة ناجحة.. ثانيا.. تقدير لعلماء عكفوا علي اعداده رغم الظروف المضطربة التي كانت تعيشها البلاد.. واضعين في اعتبارهم أن ما تشهده مصر أمر طاريء ولابد من التفكير في المستقبل أمس قبل اليوم.. ثالثا.. إن الحكومة الحالية يرأسها المهندس ابراهيم محلب.. رجل كتبت عنه عندما كان وزيرا للاسكان انه وزير في حكومة مؤقتة، ولكنه يعمل وكأنه وزير في حكومة دائمة إلي ماشاء الله.. يتبع منهجا مزدوجا.. عدم تأجيل المشاكل العاجلة.. وفي نفس الوقت يخطط ويؤسس في مشروعاته لسنوات طويلة..وطالما أن القدر اختاره رئيسا للوزارة.. فلابد أنه سيعمل بنفس المنهج طويل الأجل دون الاكتفاء بعلاج مسكنات.. وقد اكد الرجل مجددا علي هذا المنهج عندما قال في لقائه بالشباب الاسبوع الماضي.. اننا نعمل وكأننا حكومة سوف تستمر 50 عاما.. رابعا.. إن الجهة التي اشرفت علي هذا المخطط الاستراتيجي هي وزارة الاسكان.. وتحديدا الهيئة العامة للتخطيط العمراني.. الوزارة كان يتولاها حينذاك المهندس فتحي البرادعي وهو رجل يعمل بفكر ورؤية وجهد المهندس ابراهيم محلب.. والهيئة.. تولي رئاستها سابقا الدكتور مصطفي مدبولي وزير الاسكان والتعمير في الحكومة الجديدة.. كنت اتمني قبول المهندس فتحي البرادعي لمنصب نائب رئيس الوزراء في هذه الحكومة.. ولكن العزاء في تولي الدكتور مدبولي وزارة الاسكان أحد العلماء الكبار الذين شاركوا في اعداد المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية. المخطط يضع تصورا واقعيا وجدولا زمنيا موثقا بالخرائط والرسوم البيانية، عن مصر المستقبل.. بعد 40 عاما سوف يتضاعف عدد السكان.. إذن المطلوب من اليوم تواكبا مع الزيادة سنة بعد أخري..أن تتم مساحة العمران بكامل خدمات ضرورات الحياة.. اختار لك القليل من الكثير الذي تحتويه هذه الوثيقة.. تحتاج اضافة 12 مليون فدان لتصبح الرقعة المعمورة من مصر 11٪ بدلا من 5.7٪ حاليا.. وتوفير 29 مليون فرصة عمل.. وتقسيم الجمهورية إلي اقاليم تنموية واقتصادية، وتحديد المشروعات الصناعية والزراعية والسياحية بكل إقليم.. وانشاء 1264 منطقة صناعات زراعية وحرفية.. الوثيقة لاتضع كلاما إنشائيا ولكنها تضع الاجابة عن السؤال الصعب. كيف يتم تحقيق ذلك. والتفاصيل الدقيقة للتنمية العمرانية، القائمة علي الاستقلال الاقصي، اقتصاديا للموارد والتوازن السكاني للحد من الفقر.. وتحقيق العدالة الاجتماعية.. ومواجهة المخاطر الطبيعية والأمنية داخليا وخارجيا.. اسمك مكتوب..؟! في عام 1983.. كانت مدينة 15 مايو من المدن الجديدة الواعدة بسكن حضاري لائق.. ولكن بدأت تبدو عليها ملامح شيخوخة مبكرة بتكرار شكوي سكان المدينة مثل باقي احياء القاهرة، من سوء الخدمات والانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه.. وغيرها.. من بين الوسائل التي لجأ اليها السكان رفع شكواهم إلي كبار المسئولين.. توسم أهل المدينة في العبدلله القدرة علي تسليم شوكاهم إلي الراحل الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء.. وبالفعل في احد اللقاءات الجماهيرية للدكتور محيي الدين سلمت الرجل الشكوي قائلا.. هذه أمانة من بعض سكان مدينة 15 مايو، وهم موقعون بالاسم ورقم البطاقة.. ابتسم الرجل مشيرا بأصبعيه إلي عينيه قائلا.. من عينيه الاثنين.. مر يوم.. واسبوع.. وبعد عشرة ايام اتصل بي احد الموقعين علي الشكوي.. قبل تحيته.. بادرته متعجلا.. أيه الأخبار.. توقعت منه الشكر والثناء علي الجهود والحركة الدائبة في المدينة لحل المشاكل التي وردت في الشكوي.. فإذا به ينهال غاضبا. صارخا.. وديتنا في داهية.. روح منك لله.. أنت عملت أيه.. وغيرها من الكلمات التي تعني أن مصيبة حلت عليهم.. هدأت من روعه لأفهم الحكاية.. التي جاءت فصولها أكثر غرابة من وقع مفاجأة ما ورد علي لسانه في التليفون.. الدكتور فؤاد محيي الدين- رحمه الله- بعث بالشكوي إلي وزير الاسكان والتعمير المهندس حسب الله الكفراوي- أطال الله في عمره- والذي بعث بها إلي المهندس رئيس جهاز مدينة 15 مايو.. مجرد أن تلقي الشكوي انفجر غاضبا.. أخذ يلوح بالتهديد والانتقام من كل الذين وردت اسماؤهم موقعين علي الشكوي.. وضعها تحت زجاج مكتبه.. وصورة منها تحت زجاج مكتب سكرتيره.. واصبح جواز مرور أي ساكن يريد مقابلة رئيس الجهاز أو الاستماع إلي طلبه.. ان ينظر السكرتير إلي الاسماء في الشكوي مرددا «اسمك مكتوب».. وياويله لو اتضح وجود اسمه.. ينهال السكرتير عليه بالتوبيخ ومنعه من لقاء رئيس الجهاز.. ولسوء حظه اذا أصر علي اللقاء.. فمن رئيس الجهاز سوف يستمع إلي توبيخ أشد.. وقد يصل الحد إلي اتخاذ اجراء ضده بمنع الاستجابة إلي طلبه.. وقطع المياه أو الكهرباء من آن لآخر عن المنطقة التي يسكن بها.. استمعت إلي هذه التفاصيل باندهاش صامتا.. واستكمل الساكن حديثه معقبا.. يعني لا حلينا المشاكل.. ولا سلمنا من النكد وزيادة المعاناة.. ولم يعد لدينا أمل في حل أي مشكلة. هذه الواقعة.. كانت تجربة مريرة، تجعلني دائما لا آمل خيرا.. ولا اصدق وعد مسئول في تخصيص مكتب أو ديوان بشكاوي ومظالم الناس.. فمهما كانت النوايا الحسنة للمسئول، خاصة اذا كان مسئولا رفيع المستوي كرئيس الوزراء.. فإن آلية العمل واحدة.. طريقة التفكير واحدة.. عقيمة.. لا تنجز بقدر ما تعطل.. لاتصلح بقدر ما تظلم.. أيا كان المسمي.. ديوان مظالم..مكتب شكاوي.. جميعهم يعملون وكأنهم «بوسطجي» ينقل شكاوي المواطنين ومظالمهم إلي الجهات المعنية في اجهزة ووزارات الدولة.. النادر من هذه الشكاوي يتم حلها..والقليل منها يتم الرد عليها. والكثير منها ما يتم معاقبة الشاكي وزيادة معاناته بدلا من التخفيف عنه.. فهل انتبه المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء إلي هذا وهو يفتتح مكتب شكاوي المواطنين الجديد.. نأمل ذلك.. فنحن نريد حلولا جادة لشكاوي الناس ورد الحقوق لاصحابها، ومحاسبة المسئول المقصر.. وليس بطريقة الدكتور فؤاد محيي الدين والمهندس حسب الله الكفراوي! غريب في بيتنا فرق كبير بين البطولة والوطنية والجهاد بالأمس.. هكذا كان أبطال مصر في مقاومة الاحتلال.. وبين الارهاب والخيانة والقتل والتخريب.. هكذا اليوم ارهابيو الاخوان.. الراحل الكبير احسان عبدالقدوس جسد قصة البطولة الحقيقية في رائعته «في بيتنا رجل».. قصة البطل المقاوم للاحتلال الذي اختبأ في بيت صديقه.. وبطولة الصديق واسرته واهل الشارع في حماية البطل الهارب والحفاظ علي حياته.. في واقع اليوم.. تبدل الحال..في مواجهة أهل الكذب والتضليل والخداع.. الارهابيين المأجورين العملاء المتآمرين.. نحن اليوم مطالبون جميعا بالكشف عن أي غريب في بيتنا.. لا اخفائه او مساعدته وحمايته.. لايجب ان نترك ابناءنا واخوتنا في الجيش والشرطة في مواجهة الارهاب.. اقل دور لنا في المواجهة أن نبلغ عن أي غريب أو مجموعة مجهولين حلوا مقيمين في بيت او شارع أو حي أو قرية نسكن فيها..الرهان اليوم علي وعي المواطنين وشجاعتهم، والحرص والحذر من أي تصرفات مريبة أو لقاءات البعض في خلسة من ليل أو نهار.. هذا الوعي أنقذ مصر من كوارث مهولة بإبلاغ البعض عن جماعة من الارهابيين في قرية شركس بالقليوبية.. التي دعمت عمل رجال المباحث وأمن الدولة والمخابرات.. هؤلاء الابطال الذين نعيش آمنين في حمايتهم.. وهم مع زملائهم من الجنود والضباط يواجهون الموت غدرا في أي لحظة.. العيون تبكي والقلوب تتوجع حزنا علي خيرة رجالنا ضابطي القوات المسلحة اللذين استشهدا في مواجهة ارهابيي قرية شركس.. ولكن كم كنا سنبكي حرقة علي العشرات أو المئات من الابرياء، لو تمكن هؤلاء الارهابيون من تنفيذ مخططاتهم.. سارع وابلغ فورا عن أي غريب في البيت أو العمارة أو الشارع و«الحتة» التي تسكن فيها.. فهو ارهابي.. جاء ليقتل أرواح ابرياء قد تكون منهم..؟! كمائن الشرطة كثيرا ما يلفت انتباهك في الطريق توقف السيارات.. بعضها يعود للخلف.. أو يغير مساره.. لا يحدث هذا عند توقف المرور نتيجة حادث فقط، ولكنه كثيرا ما يحدث عندما يتضح وجود كمين شرطة.. في هذه الحالة من يعود للخلف خائف من الكمين.. لأنه مخالف.. اما بدون رخص أو رخصة منتهية او مطلوب في قضايا متهم فيها.. أو أن السيارة مسروقة.. أو يحمل ممنوعات.. مخدرات.. اسلحة... المهم انه يحاول الهرب من كمين الشرطة أيا كان السبب.. هذه الايام.. الشك ينتابني فورا أن من يعود للخلف إرهابيون.. خطيرون مطلوب القبض عليهم.. شاركوا في اعمال قتل وتخريب وحرق وتدمير في مظاهرات الجماعة الارهابية.. وهكذا يتمكنون ببساطة من الافلات من كمين الشرطة، الذي تمتد خلفه طوابير السيارات لمسافات طويلة، يصعب خلالها الانتباه لمن يعاودون الرجوع أو تغيير مسار طريقهم.. لابد أن نبحث عن حل لاحكام السيطرة عليهم.. فمن المعروف أن الكمائن الأمنية.. بعضها ثابت.. حفظه المخالفون الهاربون.. وبعضها متحرك في أماكن مختلفة من الطرق وشوارع المناطق السكنية. وهذه هي المطلوب تكثيفها.. ولا نكتفي بالكمين الأمني بالشكل المعروف.. يجب أن نستعين ببعض افراد الامن المسلحين جيدا وفي زي مدني.. ويتم انتشارهم في أماكن متفرقة علي الطريق قبل منطقة الكمين.. حينها سنتمكن من ضبط السيارات التي تحاول الرجوع.. وحينها ستكون الكمائن أكثر جدوي.