تمر الأيام والسنون وتبقي الكلمات الخالدة حية تعبر أفق الزمان وتعيد علي أسماعنا معانيها التي طالما رددناها في أيام حالكة السواد وها نحن الآن نستعيد حروفها وأنغامها لنعبر نفق الحياة المظلم الذي احاط بنا من كل حدب وصوب. أنا الشعب.. أنا الشعب.. لا أعرف المستحيلا ولا أرتضي بالخلود بديلا.. بلادي بلادي مفتوحة كالسماء تضم الصديق وتمحو الدخيل. النغمة السائدة الآن أن وطننا في أمس الحاجة إلي رئيس أو قائد أو زعيم يلملم جراح أزمنة عاشها الناس ما بين فقر وألم وضياع لخطوات المستقبل وزرع لفساد لا يريد الرحيل رغم ثورتي يناير ويونيو.. قد يكون هذا بمثابة الأمل الذي يتمسك به الناس للخروج من شرنقة الموت حيا إلي الحياة تحيا.. هذه المعادلة من طرف واحد وفي كل المقاييس الرياضية والعلمية لا يمكن لأي معادلة أن تنجح في الوصول إلي حل طالما الطرف الآخر في غيابات الجب أو إنه ألقي بثقله علي الطرف الآخر دون أن يحرك ساعدا أو قدما في الاحتفاظ بمكانه ومكانته. الشعب هو الطرف الآخر والرئيس أو القائد بدون شعبه كأنه يحرث في البحر أو يزرع أرضاً بوراً تبتلع المياه . إذن علينا أن نستحث الناس للخروج إلي إعادة الحياة ليس لنفسها فقط وإنما إلي الوجود الذي تعيش فيه. مازلنا علي سبيل المثال نشكو تراكم القمامة في الشوارع والحواري والميادين وحتي مع خطوات الحكومة في جمعها سواء بالأيدي العاملة مباشرة أو شركات النظافة يبقي سلوك المواطن هو رقم واحد في الحفاظ علي بيئة نظيفة.. هذا السلوك الذي اندثر مع الزمن لدرجة تبكيك وتذكرك بأن مصر كانت أيام الاحتلال الإنجليزي وعهد الأسرة الملكية تعد من أنظف وأجمل بلدان العالم. شهد المرور أيضا صورة أخري للمأساة من عدم اتباع قواعد المرور واحترام آداب السير في الشارع لغياب ضمائر الناس قبل عدم اتباع اشارات المرور..إنها الفوضي المدمرة والتي يستهلها المواطن وهو يبدأ يومه للعمل فكيف ينتج حتي وقت عمله قليل قليل جدا أو ما يسمي بالبطالة المقنعة فالبطالة ليست فقط تعني من لا يعمل وإنما تعني أيضا من يعمل ولا يقدم أي انتاج يذكر يفيد به نفسه ووطنه. الرئيس والشعب وجهان لعملة واحدة إذا أرادت أن تعلو قيمتها وتحقق أماني الوطن والمواطن.. فعلي كل وجه ان يؤدي دوره في الحياة ولكن كيف؟! لقد أحاطت الأمراض الباطنية والنفسية جسد وروح المواطن وسيطر اليأس عليه وتملكته صفات ذميمة من غيرة مدمرة وحقد وتدمير وتخريب وضياع وقته في سراب وعمل لا يفيد.. لقد ذهبت أخلاق المصريين أدراج الرياح متحججين بما لا قوه من ظلم بَيِّن عبر العصور بأنه السبب وإني لأتعجب هل الأخلاق التي كان يتصف بها المصريون أيام الاحتلال ذهبت مع خروجه؟.. هل استمرت زمنا قصيرا بعد خروجه وكأنها «حلاوة روح» ثم أصبحت أكثر مرارة وهي في حالة الاستقلال الدائم!! الأخلاق والحب والروح الطيبة هي الأرض التي يبني عليها أمجاد الأمم ولقد وصف الله سيدنا محمد «صلي الله عليه وسلم» بقوله: «وإنك لعلي خلق عظيم» وكانت السيدة عائشة تقول عنه «كان خلقه القرآن».. سيدنا محمد «صلي الله عليه وسلم» علم الناس الآداب والسلوكيات الحميدة والحفاظ علي البيئة حتي في زمن الحروب. وطننا في أزمة خانقة ليس بسب ضيق الأحوال الاقتصادية وإنما بسبب ضياع الأخلاق ولن ينهض سواء بالرئيس وحده أو ومعه الشعب طالما أن معطيات المعادلة مطموسة لا وجود لها في الوجود!! إذا عاد قول «أنا الشعب» بما تحمله هذه الكلمة من قيم أخلاقية تدفع الناس نحو العمل الصالح فستكون الحياة التي يتمناها المواطن أينما وجد ليس في الدنيا فقط وإنما في الآخرة أيضا.