وزير التعليم العالي: الجامعات والمعاهد تدعم خطط التنمية وتحقيق رؤية مصر    رئيس الوزراء يستعرض مقترحاً للاستغلال الأمثل سياحياً ل«مسار العائلة المقدسة»    إزالة 88 حالة تعد ضمن المرحلة الأولى للموجه ال 26 بأسوان    الإسكان: تفاصيل طرح سكن لكل المصريين 7 غدا ومميزات المبادرة    رئيس الوزراء يستقبل ولي عهد إمارة الفجيرة لاستعرض الفرص الاستثمارية    الرمادي يمنح لاعبي الزمالك راحة غداً من التدريبات    جنايات الإسكندرية تقضي بإعدام عامل قام بقتل أحد الأشخاص وشرع في قتل آخر    محمد رمضان يروج لأحدث أغانية |فيديو    ياسمين صبري تشارك متابعيها كواليس «فوتوسيشن» جديد    في جراحة دقيقة وعاجلة.. فريق طبي ينقذ يد مريض من البتر ب مستشفى السنبلاوين العام    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    اتحاد الكرة يستقر على تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات    المحاولة الخامسة منذ 2008.. توتنهام يبحث عن منصات التتويج أمام مانشستر يونايتد    أول رد من بيراميدز على تصريحات سويلم بشأن التلويح بخصم 6 نقاط    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    باكستان والهند توافقان على سحب قواتهما إلى مواقع وقت السلم    بث مباشر.. الأهلي 13-11 الزمالك.. دوري السوبر للسلة    وزير السياحة: إنقاذ "أبو مينا" الأثرية يحظى بإشادة اليونسكو بفضل توجيهات السيسي- صور    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    الجيش السوداني يعلن تطهير الخرطوم من المتمردين    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    وفاة عجوز بآلة حادة على يد ابنها في قنا    رئيس الوزراء: نتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المصري السعودي    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة التعبوي للمنطقة الغربية العسكرية    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    جدل لغز ابن نجم شهير.. هل موجود أم لا ؟ | فيديو    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    بعد 9 سنوات.. تطوير ملاعب الناشئين في نادي الزمالك    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    بالصور.. يسرا وهدى المفتي من كواليس تصوير فيلم الست لما    مصرع شخص سقط من سطح عقار في الدقهلية    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    السفير المصري ببرلين يوجه الدعوة للشركات الألمانية للاستثمار في مصر    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    مكتب الإعلام الحكومي بغزة: تصريحات يائير جولان إقرار واضح بجريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا    "أمين عام مجمع اللغة العربية" يطلب من النواب تشريع لحماية لغة الضاد    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    مصر كانت وستظل في مقدمة المدافعين عن فلسطين.. ورفض التهجير موقف لا يقبل المساومة    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الإرادة تصنع المستحيل
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 02 - 2014

نبيل زكى القارئ يتابع شراسة المعركة.. والصراع علي أشده بين الرغبة في الحياة ووحشية المرض اللعين.. وهنا ينبغي التشبث بالأمل
السبت:
... وأي مرض؟! إنه ذلك الذي نخشي حتي من التلفظ باسمه.. فنطلق عليه »الخبيث«..، فهو العاصفة التي تداهم الإنسان بلا انذار مسبق وتقتلع الأشرعة وتقتل جنود الحراسة حتي تتهاوي المناعة صرعي ويتوقف النشاط وتؤجل الأحلام والأمنيات.. ها هو السرطان يهاجم جسد كاتبة وإعلامية مبدعة ولامعة، هي »ألفة السلامي«. وتتزامن الاصابة مع اندلاع ثورات الربيع العربي.. وتبدأ في موطنها ومسقط رأسها تونس وتمتد إلي حيث تقيم وتعمل منذ سنوات طويلة.. أي إلي مصر، وتنتقل بعدها إلي ليبيا.. فتسافر إلي هناك لتغطية الأحداث وتقضي فترة غير قصيرة تحت قصف القنابل في مدينة بنغازي.
نزلت »ألفة السلامي« إلي الميادين في تونس ومصر وليبيا، وكانت شاهدة عيان علي قتل مئات الشهداء في عمر الزهور، وأدت واجبها كإعلامية وكاتبة بما يمليه عليها ضميرها المهني. وأعتقد ان واجبي أن أعرض عليكم بدوري جانبا من التجربة التي عاشتها هذه الزميلة التي عرفتها منذ سنوات في لقاءات وحوارات سياسية وزيارات لأعماق الصعيد وقصور الثقافة في المدن والقري الريفية، ومناقشات في القاهرة وتونس.
لقد استلهمت هذه الكاتبة من الثوار الإرادة والمثابرة. وهي تسمح لقراء كتابها المذهل بدخول بيتها وغرفة نومها، والاطلاع علي ما يدور في صفحات عقلها، وما يعتري جسدها من تغيرات بسبب المرض وتكشف تفاصيل محنتها وأوجاعها عبر الكلمة في كتاب يحمل عنوان »ثورة جسد«.
ومن البداية.. نلاحظ انها قررت أن تتصالح مع نفسها، حتي لا تتحول الآثار في الجسد بعد استئصال الثدي إلي جراح نفسية. ونقطة البداية في المقاومة هي البحث عن معان جديدة للحياة تجعلها أكثر قوة ونضجا في مواجهة شبح الموت.
القارئ يتابع شراسة المعركة، والصراع علي أشده بين إرادة الحياة وقسوة المرض اللعين. إنها تكتب عن مأساة مرض تعيشها مليون وثلاثمائة امرأة في العالم يصبن بنفس نوع مرضها، وهو الأوسع انتشارا في الدول الغربية، وأعداد الضحايا متزايدة مع ارتفاع معدلات تلوث المياه والطعام والهواء والمسرطنات التي اغتني »بفضلها« تجار الموت في أنظمة رأسمالية فاسدة.
والكاتبة تقرأ كل شيء ينشر في العالم عن هذا المرض، وتتابع جميع الأبحاث العلمية التي تدور حوله والنتائج التي تم التوصل إليها حتي الآن: أحد عشر ألفا وخمسمائة سيدة ماتت في عام 0102 بسبب هذا المرض في دول أوروبا الغربية وحدها، والمعروفة بإمكانياتها الطبية المتقدمة وخاصة في مجال الاكتشاف المبكر للمرض والقدرات العلاجية.
ووسط الآلام المبرحة الناجمة عن تأثير جرعات العلاج الكيماوي والاشعاعي.. تنتزع لنفسها صك الخلاص، وتستجمع الروح المرحة الشحيحة في كل تاريخ البشرية لتقرأ ما لم يذكره الخبر: أن هناك أكثر من تسعمائة ألف امرأة مصابة تكتب لهن النجاة من الموت سنويا.. ورغم ان الاصابة بمرض خبيث ماكر تسحب الأمل من داخل النفس، ومعها الحافز علي الحركة، إلا أنها تتشبث بالأمل. وها هي تتظاهر بأنها فوق المحنة، وبأنها بعيدة عن أي نوع من الحزن أو الوهن أو الغصة.
انها تدرب نفسها، من خلال عملية واعية، علي مضادات الاكتئاب لتفلت من السياط التي تحاصرها.. فالمرض يزحف متسللا مع الضغوط والتوتر والقلق المدمر.
ولا تستطيع أن تهرب من سؤال يتردد في داخلها: كم يا تري باق لي من العمر؟ سنة..، اثنين،.. ثلاثة؟ أم ان العد التنازلي بدأ بالفعل؟ انها تبحث عن الفرح وتقتنص رشفات الأمل والمرح، لأنها تشحذ الهمم بالطاقة الايجابية وبالإرادة التي تحقق المستحيل. وتقرر أن تبحث عن الأماكن التي توقظ معني الحياة، وعن مواطن الجمال والاسترخاء. والفن له قيمة رائعة لأنه يبدد الوحشة. وهي تشعر بالحزن، لأنها لم تستطع أن تغير مصيرها (فقد ماتت شقيقتها بنفس المرض)، رغم انها كانت تتوقع، في السنوات الأخيرة اصابتها، وكانت معلقة من »چيناتها« كالوردة التي تستعجل قطافها. وكانت كابوسا يطاردها علي الدوام.
أحيانا تشعر بأن الدنيا تؤازرها وتحنو عليها وتبحر معها في اتجاه شاطئ السكينة، وأحيانا تشعر بزوابع ضاغطة علي رأسها، وفي أوقات أخري.. تشعر بصفاء داخلي.
ولكن.. ما أصعب كلمات المؤازرة. انها غالبا ما تتلعثم علي الألسنة وتختلط المشاعر، فلا ندري هل المؤازرة لها أم للجميع؟
انها تختار من هم الأقوي والأكثر تماسكا بين أصدقائها لتروي لهم ما أصابها. وتحرص علي اخفاء الأمر تماما عن أصدقاء لديهم وساوس وهواجس تقض مضاجعهم. مشاعر متلاطمة تجاه علاقتها بالمرض وبالناس من حولها وتؤرقها قضية فلسفية، وهي السخط علي قدرها.. والمرض يشتد عندما يتحمله الإنسان وحيدا، ولكن عندما يقتسمه مع أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء.. يخف الحمل كثيرا.. ومريض السرطان يحتاج أكثر من أي مريض آخر إلي شريك مخلص يهون عليه الصدمة ويبعث فيه الطمأنينة والسكينة. ولكن ابداء الشفقة أصعب ما في المرض. وهناك أشخاص من الأهل والزملاء وضعوا أنفسهم في هذا الموقف دون وعي أو قصد. وكان ذلك يمزق أوصالها ويهوي بها إلي جب عميق.. فيتحول اللقاء معهم إلي سرادق لتقبل التعازي.
تقول ألفة السلامي: »افتح عينيك واشرب من نبع الحياة حتي ترتوي، فلا عطش هناك.. مادام نهر التفاؤل والحب يجري في وديان الحياة«.. غير انه من السهل علي من يجد نفسه أمام المريض المنكوب أن يقدم النصائح، دون أدني تقدير لحالة المريض واحتياجاته في هذه اللحظات الصعبة. كما ان المبالغة في تذكير المحيطين بالمريض بضرورة التحلي بإرادة قوية ومعنويات مرتفعة يؤدي إلي حالة عكسية تماما، وخاصة إذا كان كل ما يتمناه المريض في تلك اللحظة.. هو شيء بسيط للغاية: أن يستريح ويغفو لبعض الوقت.
في منتصف الطريق
الأحد:
الجو السياسي في الجامعات التونسية مع بداية الثمانينيات ومحاولة المتاجرين بالدين السيطرة علي دفة القرار الطلابي بدعم من السلطة. والوزير »محمد الصياح«، الذي تولي إدارة الحزب الحاكم من سنة 3791 إلي سنة 0891 يساند المتطرفين في مواجهة التيارات اليسارية. وهذا »الصياح« هو صاحب مبادرة إنشاء جهاز ميليشيات أمنية لمحاربة اليسار.
وتقول »ألفة السلامي« في كتابها، ان تلك الأحداث لم تكن ببعيدة عما كان يدور في مصر في أيام حكم السادات، عندما أخرج المتطرفين من القمقم ووقف إلي جانبهم ثم انقلب السحر علي الساحر، وقامت »الجماعة الإسلامية« باغتياله في مشهد مهيب.
كان ذلك زمن ظهور أصحاب أفكار العقاب بالجلد والرجم وقطع الأيدي والرقاب في تونس، وكذلك ظهور »كهنة« النهي عن المعروف والأمر بالمنكر (علي حد تعبير الكاتبة) واستعراض القوة وممارسة العنف ومحاربة الثقافة والفنون.
كان المتطرفون ينتظرون في محطة القطار وصول الطلاب القادمين من القري والمدن إلي العاصمة ليعرضوا عليهم المساعدة المادية. ويبدأ استقطاب البنات بادعاء الحب واتباع سلوكيات العشاق لاستمالتهن إلي الجماعة المتطرفة. وبعد إقامة حفل يتم فيه ارتداء الفتاة للحجاب.. يذوب الحب كما يذوب الثلج من فوق قمة الجبل مع بدء فصل الصيف، فلم يكن حبا صادقا بل مؤامرة رخيصة لاصطياد الفتيات.
وبعد نجاح الثورة التونسية.. تزداد المخاوف علي أوطان تقف ثوراتها في منتصف الطريق، وتظهر تعليقات تونسية.. مثل:
»لا يعقل أن يصبح الصراع اليوم حول ختان المرأة وارتداء المايوه!.. ليس هذا ما ينتظره التونسيون بعد الثورة المجيدة«.
وثمة تعليقات طريفة، مثل: »مطلوب أن تتحدد بالضبط حجم اللحية المطلوبة للمرحلة القادمة، وهل تكون خفيفة أنيقة مثل لحي الفنانين والمفلسين أم مطلوب تركها علي الغارب بلا تهذيب ولا تشذيب كذقن شيوخ قناة الناس والحكمة؟. وما حكم ارتداء رابطة العنق والعياذ بالله؟ وهل يجوز ارتداء الرابطة الحريرية أم من الأحوط أن تكون من صوف الإبل؟ وهل نرخيها أم نحبكها حول العنق، أم نمتنع عنها نهائيا أسوة بالاخوة في ايران؟!« هذا ما تنقله »ألفة السلامي« عن أجواء تونس.. فماذا عن مصر؟
ثياب تنكرية
الاثنين:
وتنقل »ألفة السلامي« رسالة زوجها طارق علي الفيسبوك حول ما كتبه المفكر الراحل الدكتور مصطفي محمود، الذي قال: »لا تخدعونا بهذا الزعم الكاذب بأنه لا إسلام بدون حكم إسلامي، فهي كلمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. قد حاربنا إسرائيل وحطمنا خط بارليف وعبرنا إلي سيناء دون أن ننقلب إلي حكومة إسلامية، وقد حاربنا التتار وهزمناهم ونحن دولة مماليك، وحاربنا بقيادة صلاح الدين القائد الكردي وكسرنا الموجة الصليبية ودخلنا القدس ونحن دولة مدنية لا دولة إسلامية.. وكنا مسلمين طوال الوقت. وكنا نحارب دفاعا عن الإسلام في فدائية واخلاص بدون تلك الشكلية السياسية التي اسمها حكومة إسلامية. ولم تقم للإسلام دولة إسلامية بالمعني المفهوم إلا في عهد الخلفاء الراشدين ثم تحول الحكم الإسلامي إلي ملك عضوض يتوارثهم خلفاء أكثرهم طغاة وفسقة وظلمة. والإسلام موجود بطول الدنيا وعرضها.. بدون حاجة إلي تلك الأطر الشكلية.. أغلقوا هذا الباب الذي يدخل منه الانتهازيون والمتآمرون والماكرون والكذبة.. انهم يستعملون كلمة كذابة كحصان طروادة ليدخل إلي البيت الإسلامي من بابه.. من ينسفه من داخله وهو يلبس عمامة الخلافة ويبسمل بتسابيح الأولياء. انها الثياب التنكرية للأعداء الجدد..«.
في حدود ما أعلم.. فإنه لم يظهر من قبل كتاب يشرح تجربة الاصابة بالمرض الخبيث.. محتويا علي هذا القدر الهائل من المعلومات العامة والطبية الدقيقة وخبرات العلاج ونظام التغذية، في نفس الوقت الذي يقدم لنا تلك التجارب الذاتية والمشاعر الإنسانية والشحنات الوجدانية والخبرات الروحية والأحاسيس الداخلية والحميمة.. وبهذه الصراحة والشفافية والتلقائية والعمق.. وكل ذلك في اطار التحليل السياسي والمعاناة الشخصية والاحتكاك بواقع ثورات تونس ومصر وليبيا.. والكتاب يحتوي علي شهادات مهمة حول أحداث ووقائع سياسية وإعلامية مهمة في أخطر اللحظات التاريخية في ثلاث دول.
وقد برهنت »ألفة السلامي« علي أن المعرفة نعمة تضئ العقل، وليست نقمة تصيب بالاكتئاب، كما كانت تتصور. ومع الصعود والهبوط لحالات الأمل واليأس.. تصحبنا الكاتبة إلي ساحات ومشاهد لا تنسي، حيث يحتدم الصراع في تونس بين قوي التخلف والتقدم، وحيث رائحة الدم في كل الأماكن في بنغازي.. وفي مصر حيث انتصرت الإرادة الشعبية في نهاية المطاف.
حقا.. لابد من الحركة والعمل، وهو ما فعلته »ألفة السلامي«، ولذلك حققت معجزة الشفاء من المرض الخبيث في الوقت الذي تتجه فيه ثورات الربيع العربي إلي تصحيح مسارها والتعافي واستعادة صحتها وروحها ودورها ومكانتها. هكذا صنعت الإرادة.. المستحيل في مصر.. ومع ألفة السلامي في نفس الوقت.
برنامج »البرنامج«
الجمعة:
لا أحد يعترض علي الفن الساخر، ولكن »باسم يوسف« يحاول تذكيرنا دائما بأنه خائف وبأننا نعيش في مجتمع الخوف.. كما انه هو شخصيا يخاف من عبدالفتاح السيسي ومن الجيش رغم أنه ينتقدهما بصراحة وفجاجة.
ويبدو أن باسم يوسف يخاف فعلا، ولكن ليس من السيسي أو الجيش، وإنما من الجماعة الإرهابية، بدليل انه رغم ان مصر تواجه حربا تشنها ضدها كل منظمات الإرهاب الدولية ومن بينها »الجماعة« وتشمل هذه الحرب كل محافظات مصر، كما أننا نتابع كل يوم أخبار ووقائع تلك الجرائم والمواجهات الدامية التي تودي بأرواح مئات المواطنين وتعصف بأمن البلاد وتهدد استقرار المجتمع.. إلا ان صاحبنا لم يسمع عنها ولم يذكر شيئا حولها كما لو كان يعيش في بلد آخر، رغم انه لا يوجد بيت في مصر لا يتحدث عن جرائم الإرهاب والإرهابيين وضحاياهم من جنود الجيش والشرطة ومن المواطنين العاديين. لم يسمع »باسم يوسف« صوت انفجارات القنابل التي نسمعها كل يوم، ولم يسمع شيئا عن أبرياء فقدوا أرواحهم بلا ذنب أو جريرة. لم يسمع عن القتل لمجرد القتل. وكل ما يقدمه لنا وسط هذه الأحداث، التي تهز مصر كلها، هو انه يتعرض لحالة من الرعب عند الحديث عن السيسي أو الجيش! والمغالطة مكشوفة، فالرجل يخصص برنامجه للسخرية دون أدني شعور بالخوف من قطاع من المواطنين السذج الذين يصرون علي اطلاق اسم السيسي علي كل شيء. ولا خلاف علي السخرية من هؤلاء البسطاء. ولكن ماذا عن هؤلاء من غير السذج الذين يؤيدون ترشيح السيسي للرئاسة؟ هل يمكن أن يكونوا موضع سخرية؟
ثم أليست السخرية من المغالاة في تأييد السيسي دليلا علي انه لا مجال للحديث عن مجتمع الخوف والرعب من السيسي والجيش؟
الملاحظ أن صاحبنا يحرص علي أن يتفادي أي كلمة تخدش مشاعر الإرهابيين رغم ان هؤلاء مازالوا يشكلون مادة خصبة للسخرية بفتاواهم التكفيرية المستمرة وما يرددونه من مضحكات تفتح مجالا للسخرية لا ينفد. ثم علي سبيل المثال شخصية يوسف القرضاوي الذي هو موضع سخرية العالم العربي كله لا يجد فيها صاحبنا ما تستحق السخرية!
ألم يجد باسم يوسف في هلوسات وهستيريا الأعضاء القياديين بجماعة الاخوان داخل القفص ما يستحق السخرية؟ ألم يجد في اعترافات قاتل الشرطي حارس الكنيسة ما يستحق التعليق؟
ثم انه لا يوجد مواطن إلا ويعاني من آثار إغلاق الطرق بالمظاهرات غير السلمية وعربدة العنف وتعطيل مصالح الناس وتدمير المحال التجارية.. وتخبط الحكومة بشأن انفلونزا الخنازير وكل ذلك يشغل المصريين قبل أية قضية أخري ولكن لا مكان لذلك كله في برنامج »البرنامج«! ولم تعد هناك مشكلة لديه إلا السيسي.
وأين الكبت والقمع وسط كل هذه الصحف المستقلة والقنوات الفضائية الخاصة التي لا تخضع لأي رقابة؟
المهنية الإعلامية غائبة. والتسطيح هو القاعدة.
وثمة اصرار من صاحب »البرنامج« علي الترويج للاحباط واليأس.
وحتي الأغنية التي قدمها وعنوانها »السكة شمال« تدعو للاكتئاب، وتجعلك تشعر بأنك محاصر تماما بنظام حكم قمعي وبوليسي. تقول بعض كلمات الأغنية: »بس بلدنا مش عاوزانا، وبتدينا علي قفانا، السكة شمال واليمين مش شغال، علي فين رايحين، أنا زيي زيك مالناش دور، كومبارس علي مسرح مهجور، البطل فيها أبو دم تقيل، وأنا وأنت واقفين طراطير.. لو صممت تمشي عكس الناس.. الإجابة حتكون بالرصاص..!!!«.
وعلي كل منصف أن يحلل معني تلك الكلمات.. لكي يعرف ماذا يريد أن يقول »نجم« البرنامج.
الدكتورة هويدا مصطفي أستاذة الإعلام، علي حق عندما قالت: »أدهشني اصرار باسم يوسف علي استمراره في نفس الخط واتخاذه لجانب واحد، وهو ترشح السيسي للرئاسة، وكأنه لا توجد قضايا أخري في مصر، وهو ما يفقد البرنامج مصداقيته، لأن السخرية تكون من مواقف مختلفة ومتنوعة وأطراف متعددة. انه يتجنب إلقاء الضوء علي أوضاع كثيرة تحتاج لإلقاء الضوء عليها. وكان عليه أن يرصد أمورا متعددة مع أطراف كثيرين..«.
شهادة موضوعية من أستاذة الإعلام.
ومع ذلك.. أرجو أن يستمر برنامج »البرنامج«، لأنني علي ثقة بأن وعي المصريين بلغ الذروة، وبأنهم قادرون علي فهم وادراك كل الحقائق دون حاجة إلي شراح أو محللين أو.. ساخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.