يمكنكم التواصل مع الكاتب ومناقشته: [email protected] الدعوة للتغيير أصبحت شعاراً يلوكه بعض أنصاف الساسة، دون أي إدراك حقيقي بأهدافه أو أولوياته أو حتي توقيته.. إلي الدرجة التي أفقدت الكلمة والمفهوم معناهما ومقاصدهما. ولا أبالغ عندما أقول إن عملية التغيير لا يمكن أن تقتصر علي فعل أو عمل ما.. ولكنها تعني الديمومة والاستمرار. ووفق ضوابط صارمة لا تتعارض مع قيم المجتمع وتقاليده الراسخة. وفي تاريخ مصر الحديث، يرتبط التغيير بتولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم في فترة عصيبة، أعقبت اغتيال الرئيس السادات، حيث بدأ الرئيس مبارك أكبر عملية تغيير وتحول في المجتمع، سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. بدأ الرئيس عملية التغيير بطريقة متوازنة ومتدرجة، مكنت مصر من أن تصبح نموذجاً للاصلاح الوطني، بعيداً عن نماذج الاصلاح التي يحاول الغرب ويسعي لتحقيقها في المنطقة، رغم ما تحمله من تعارض وتناقض مع كثير من الثوابت والقيم الاخلاقية. وكانت دعوته لعقد أول مؤتمر اقتصادي بداية لدخول مصر مرحلة جديدة من الانفتاح المدروس والمحسوب، الذي يضمن مشاركتها الواسعة في حركة الأسواق العالمية، دون ان يشكل ذلك أي نوع من الضغوط، أو التقيد بضوابط تتعارض مع ثوابتها وقيمها، وتركيبتها الاجتماعية. وتزامن مع ذلك، عودة العلاقات بين مصر وعالمها العربي، وفق أسس وقواعد ثابتة تضمن تحقيق أكبر قدر من المصالح المشتركة، دون مساس بثوابت لا يمكن لأحد أن يغيرها أو يعبث فيها، تتعلق بدور مصر كقوة إقليمية ومحور رئيسي لأي عمل عربي. استمرت مسيرة التغيير طول حكم الرئيس مبارك.. وتم خلالها إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون والفصل الكامل بين السلطات، وإجراء سلسلة طويلة من التغييرات والتعديلات التشريعية، التي تتيح لمصر انطلاقة أكبر في عالم جديد، بدأ يتشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واختفاء ظاهرة القطبية الثنائية. وجاءت التعديلات الدستورية، وإجراء انتخابات رئاسية تنافسية تشارك فيها الأحزاب والمستقلون، وفق ضوابط وقواعد تضمن نجاح التجربة، وتلبي طبيعة نشوء الأحزاب الجديدة، واحتياجها لفترة زمنية لتكوين قواعد جماهيرية تكون سندا لها في أي انتخابات قادمة. حقائق كثيرة، تؤكد ان الرئيس مبارك زعيم الحزب الوطني هو أول من بدأها بخطوات عملية علي أرض الواقع، بعيداً عن شعارات جوفاء يرددها بعض الحالمين والواهمين بأن ثوب الحرية لن يضيق بممارساتهم، وافتضاح مؤامراتهم من أجل التقدم لمقدمة الصفوف، دون أي سند أو مسوغات تؤهلهم لتحمل المسئولية. نعم كان السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني، والسيد جمال مبارك الأمين العام المساعد، محقين كل الحق، عندما أكدا ان الحزب الوطني هو الذي قاد عملية التغيير، وكان أيضا وراء هذا الحراك السياسي غير المسبوق الذي تعيشه مصر. وأي منصف للحقيقة، لابد أن يتوقف كثيرا أمام المتغيرات الهائلة، التي شهدها المجتمع المصري خلال السنوات القليلة الماضية، التي شهدت إعادة هيكلة كاملة للحزب الوطني، ودخول مجموعة جديدة من الشباب الذين يملكون رؤية جديدة للتعامل مع الواقع المصري، بمشاكله وطموحه وآماله. وأحدث ذلك ما يمكن ان نسميه انقلابا كاملا علي كل الموروثات القديمة للحزب الوطني، الذي بدأ من جديد إعادة رسم خريطة تواجده وتفاعله مع مشكلات وهموم بلاده. وأخذت قضية الاصلاح السياسي اهتماما خاصا، كان محوره الأساسي هو زيادة قاعدة المشاركة، من خلال تطوير شامل في البيئة التشريعية للحياة السياسية، واعطاء اهتمام متزايد بقضايا حقوق الإنسان، وانهاء حالة الطواريء بمفهومها القديم، الذي كان يتسع لمصادرة كل حقوق المواطنين، لتقتصر ممارسة حالة الطواريء علي جرائم الارهاب والمخدرات. كما جاء إلغاء محاكم أمن الدولة، وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي، ليكملا حلقة هامة في مجال حقوق الإنسان. ثم جاءت التعديلات الدستورية لتكتمل منظومة الاصلاح الذي يعلي من مبدأ المواطنة، ليصبح حكما وفيصلا لاقرار الحقوق والواجبات وساهمت هذه التعديلات في دعم دور الأحزاب، وايجاد التوازن الدقيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ودعم الركائز الأساسية للدولة المدنية، وتحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، بعيدا عن الجنس أو الدين أو العقيدة. وامتدت عملية التغيير لتشمل تحديدا أدق لدور الدولة في تحقيق النهضة الاقتصادية. وكان الاهتمام بدعم القطاع الخاص أحد المتغيرات المهمة، في سبيل توفير المزيد من فرص العمل ورفع مستويات الدخول، بعد سنوات طويلة كانت فيها الدولة هي المشغل الأساسي لسوق العمل. واذا كانت الزيادة السكانية قد ألقت بأعباء كثيرة، أدت لابطاء مسيرة النمو الاقتصادي، وضعف وانهيار بعض المؤسسات المملوكة للدولة، نتيجة التوسع العشوائي في التوظيف. فقد جاء الحزب الوطني بمجموعة جديدة من السياسات التي تهدف لتفعيل آليات السوق، ودفع معدلات النمو، وجذب الاستثمارات الخارجية والتوسع في حركة الصادرات، وتقديم بعض الحوافز للقطاع الخاص ليأخذ نصيبه الحقيقي في عملية النهوض الاقتصادي. حدث ذلك مع استمرار الدور الرقابي للدولة في ارساء قواعد المنافسة، وضبط حركة الايقاع في الاقتصاد المصري لصالح المستهلك، بما في ذلك وضع قواعد واضحة لمنع الممارسات الاحتكارية. وادخال عشرات التعديلات التي تهدف لدفع العمل المصرفي، ورفع كفاءة الجودة للمعايير المالية. وكان من نتاج هذه المتغيرات مولد عشرات القوانين والتشريعات والاجراءات، التي حققت لأول مرة في مصر مفهوم العدالة الضريبية، وتبسيط كل الاجراءات الخاصة بها. بالاضافة للاصلاح الجمركي والتطوير الشامل في منظومة الضرائب، الذي أدي لخفض سعر الضريبة ونمو القاعدة الضريبية، وزيادة حجم الحصيلة انعكاسا للثقة الكاملة في عدالة النظام الضريبي. وشملت عملية التغيير تحقيق البعد الاجتماعي، وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين، لتمثل إحدي الركائز الأساسية للاصلاح، وخاصة في مجالات التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والطرق، ووضع سياسات لاستهداف الفقر لأول مرة في تاريخ مصر، لا تعتمد فقط علي تقديم الدعم والمساندة للفقراء، ولكن الأخذ بيدهم للخروج من دائرة الحاجة والعوز. نعم، لقد كانت مصر أول بلد في المنطقة يبدأ ويحقق بنجاح أكبر عملية تغيير، قبل أن تصبح هذه الكلمة مجرد »لبانة« يلوكها بعض المتشدقين بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في الغرب، تلك الحقوق التي تعطي للشواذ حقوقاً أكبر بكثير من تلك التي تعطيها للأسوياء. لقد كان التغيير مصرياً قلباً وقالباً، ينسجم مع قيم المجتمع وتقاليده، وتركيبته الثقافية والاجتماعية. حلايب.. لماذا الآن ؟ لا أعتقد أنه من الحكمة أن تثير بعض الصحف ووسائل الإعلام قضية حلايب، والتي صدرت بشأنها بعض التصريحات من الأشقاء السودانيين، بغض النظر عن تعارضها مع الحقائق والحقوق المصرية الثابتة في ملكية حلايب. إن سيادة الدول لا يجب بأي حال من الأحوال أن تصبح مادة يناقشها الإعلام، بأسلوب وطريقة قد تفسد الحقائق التاريخية لعلاقة الشعبين المصري والسوداني، وتساهم في تحويل بعض التصريحات غير المسئولة إلي حقائق مفترضة علي أرض الواقع. كلنا نعرف ونعلم الأوضاع الداخلية في السودان الشقيق، والذي يمر بمنعطف خطير قد يهدد وحدته، ويؤدي لانفصال الجنوب، حتي وإن كان ذلك يتم بإرادة شعبية وانتخابات، لا يمكن أن تعبر إلا عن مصالح ضيقة، لا تأخذ في اعتبارها التأثيرات السلبية لهذا الانفصال. الأنظار والجهود كلها تتجه الآن لتحقيق المصالحة، ووأد كل أسباب الخلاف، التي تؤكد كلها أن تنمية الجنوب وحصوله علي حقوقه في التحديث والتطوير والعمران، ستكون عنصرا فاصلا أمام الأشقاء في الجنوب لاختيار خيار الوحدة، وعدم الاستجابة لدعاوي بعض القوي الخارجية، التي تسعي لاستنزاف ثروات السودان المتوقعة، وخاصة في مجال النفط والثروات المعدنية والزراعية. ولاشك أن تقسيم السودان يمثل هدفا ومحورا أساسيا لتدخل تلك القوي، ويحظي بتأييد خفي من جانب بعض القنوات الرسمية في حكومة السودان. وللأسف أيضاً من جانب بعض الأشقاء العرب، الذين يعيثون فساداً في كل أمر يتعلق بدور مصر الذي لا تطوله هاماتهم. إن بعض القوي في الغرب تعتقد أن تقسيم السودان يعني تواجدا أكبر لها في تلك المنطقة الحيوية، غير أن الحقيقة تأتي عكس ذلك تماما، حيث ستكون الفرصة سانحة لعودة تيار التشدد الديني في الشمال، وما يمثله من خطر لن ينجو منه أحد. من حق الأشقاء السودانيين وبعيدا عن التصريحات اللجوء لأي قنوات تحكيم دولية كما يدعون، لأن حق مصر ثابت بالوقائع والمستندات والدلائل، ولكن كنا ولانزال نأمل أن يتم حل هذه الخلافات من خلال علاقة شعبين سيظلان دوما شعبا واحدا. مواقف مصر مع الشرعية في السودان، ونظام الرئيس عمر البشير، لا يمكن لأحد أن يزايد عليها. فقد رفضت مصر توقيع عقوبات دولية علي السودان في مرات عديدة. وقدمت مصر كل الدعم والمساندة للرئيس البشير، في دعوي ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وكان موقف مصر الأخير في قضية الاتفاق الجديد لدول حوض النيل، داعماً ومسانداً لحق السودان الذي لم ولن نفصله عن حق مصر. وأعتقد أن الموقف لا يحمل متسعاً لأي مزايدات أو تصريحات، حتي وإن كانت للاستهلاك المحلي!!