اربعة وستون عاما مضت علي وفاة العالم المصري الفذ الدكتور علي مصطفي مشرفة، الذي كان من المؤمنين بأهمية دور العلم في تقدم الأمم، وذلك بانتشاره بين جميع طوائف الشعب حتي وإن لم يتخصصوا به. لذلك كان اهتمامه منصبا علي وضع كتب تلخص وتشرح مبادئ تلك العلوم المعقدة للمواطن العادي البسيط، كي يتمكن من فهمها والتحاور فيها مثل أي من المواضيع الأخري، وكان يذكر ذلك باستمرار في مقدمات كتبه، والتي كانت تشرح الألغاز العلمية المعقدة ببساطة ووضوح حتي يفهمها جميع الناس حتي من غير المتخصصين، ولقد عين عميدا لكلية العلوم جامعة القاهرة ليصبح بذلك اول عميد مصري لها عام 1936 ثم حصل علي لقب الباشاوية من الملك فاروق. تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة، حيث عني عناية تامة بالبحث العلمي وإمكاناته، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام بحوثهم، ووصل به الاهتمام إلي مراسلة أعضاء البعثات الخارجية، كما سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية، حيث كان يري أن (القيود القومية والفواصل الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب المتآلفة).. أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية، كما حول الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلي العربية. يقول المؤرخون (إن الدكتور مشرفة أرسي قواعد جامعية راقية، حافظ فيها علي استقلالها وأعطي للدرس حصانته وألغي الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول: "إن مبدأ تكافؤ الفرص هو المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري").. وكان من أهم اقواله ايضا: (خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً.. من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء).. وكان دكتور مشرفة احد العلماء السبعة الذين عرفوا سر الذرة علي مستوي العالم في وقت كان علما جديدا وأحد هؤلاء العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، ولم يكن يتمني أن تُصنع القنبلة الهيدروجينية أبداً، وهو ما حدث بالفعل بعد وفاته بسنوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي. وكان علمه بهذا احد اسباب ترجيح إغتياله علي يد جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"في منتصف يناير 1950. ولقد تخرج د. مشرفة في المدارس المصرية وظل يحصل علي المرتبة الأولي في كل سنوات دراسته باستثناء البكالوريا"الثانوية العامة"والسبب وفاة والدته اثناء الامتحانات وأكمل دراسته في جامعة لندن حيث حصل علي الدكتوراه عاد بعدها ليخدم وطنه مصر مؤمنا ان بلده قادر علي تخريج علماء مثله، لم يبخل علي وطنه بأي جهد ولم يكن همه جمع ثروة بل هدفه الأوحد وصول مصر الي مكانة علمية متميزة بين الأمم، وكان حافظا للقرآن الكريم داعيا الي العقيدة الإسلامية الصحيحة والتي تدعو الي التفكير والتعلم، وكان من اقواله: (لقد شهدت البشرية نشأة حضارات عديدة وازدهارها علي سطح الأرض، لكن قليلاً من تلك الحضارات هي التي استمرت وبقيت ومن ثم فلابد أن نسأل أنفسنا عن سبب ذلك، لقد فكرت في ذلك كثيراً ووجدت أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخري المساعدة في قيام الحضارة، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب. ومن هذا المنطلق كان عمله لخلق أجيال من العلماء ليواصلوا مسيرة الاختراع والابتكار والاكتشافات العلمية لانه لا سبيل امامنا سوي العلم مسلحين بقيمنا الأخلاقية المستمدة من ديننا، دكتور علي مصطفي مشرفة نموذجا مصريا خالصا احب وطنه بصدق وبذل حياته من أجله فهل نطمع كثيرا لو راودتنا احلاما بعودة هذا النموذج بيننا؟