يبدو أن الحالة المزاجية الرياضية التي تجتاح كوكب الارض الان بسبب فعاليات كأس العالم لكرة القدم في جنوب افريقيا هي التي اوحت للصحفي الامريكي الشهير توماس فريدمان بفكرة مقاله الاخير قبل أيام في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الصراع العربي الاسرائيلي. تحدث فريدمان في هذا المقال عن فرص إحلال السلام في الشرق الاوسط وقال إن العقبة الكبري كانت دائما لا تخرج عن سبب من اثنين.. الاول هو شعور أحد الطرفين بالضعف لدرجة تجعله عاجزا عن قبول أي حل وسط والثاني هو شعور طرف ما بالقوة إلي الحد الذي يجعله يتساءل ما الذي يجبرني علي قبول حل وسط؟! ويري فريدمان أن إسرائيل تعيش الان الحالة الثانية فقد توقفت الهجمات ضدها سواء في المناطق الحدودية المجاورة للبنان وغزة أو داخل مدنها ومستوطناتها ولم تعد هناك دولة عربية ترغب في خوض الحرب معها وانعكس ذلك في تدفق السياح الاجانب علي إسرائيل بشكل غير مسبوق وارتفع عدد المليونيرات الاسرائيليين بنسبة 43 في المئة ليصل إلي 8419 مليونيرا. ورغم هذا الوضع المثالي، إلا أن إسرائيل كما يقول فريدمان تحتاج الان ،أكثر من أي وقت مضي، لتقديم تنازلات من أجل السلام! ويفسر ذلك بقوله إن تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي منذ عام 1948 وحتي الان هو عبارة عن سلسلة من الحروب التي يفصل بين كل واحدة منها والاخري وقت مستقطع أو "تايم أوت" بالطريقة المتبعة في مباريات الكرة الطائرة أو كرة السلة عندما يطلب المدرب وقف المباراة لفترة يعيد فيها حساباته ويستعد خلالها مع لاعبيه للمرحلة التالية من المواجهة. و" الوقت المستقطع " الذي تعيشه إسرائيل الان جاء بعد 3 حروب قصيرة كان أولها صراع الاطاحة بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ثم الحرب ضد حزب الله في لبنان وأخيرا الحرب علي غزة. وما يميز هذه الحروب الثلاثة الاخيرة هو أن إسرائيل خاضتها دون أي قواعد اخلاقيه ولم تفرق بين الاهداف المدنية والعسكرية فدمرت المنازل وقتلت الاطفال والنساء. ورغم أن إسرائيل حصلت علي "الوقت المستقطع" الذي كانت تسعي إليه بعد هذه الحروب إلا أنها دفعت ثمنا فادحا بسبب الصور المرعبة التي نقلتها شاشات التليفزيون للضحايا الابرياء والدمار المروع الذي أحدثته الهجمات الاسرائيلية. وكانت النتيجة هي إجراء تحقيق دولي واتهام اسرائيل بارتكاب جرائم حرب. المشكلة أن إسرائيل كانت منذ عام 48 وحتي 1973 تحصل علي "الوقت المستقطع" الذي تريده بعد حرب تقليدية ضد دول وجيوش. أما هذه المرة فكانت ضد عمارات سكنية ومدارس ومستشفيات ودور عبادة لذلك كان الثمن فادحا وهو اتهام قادة وزعماء إسرائيل بأنهم مجرمو حرب وتوتر علاقاتها بالديمقراطيات الغربية. وجاء الهجوم الاسرائيلي علي قافلة الحرية لاغاثة غزة لكي يعرض إسرائيل لانتقادات غير مسبوقة في تاريخها. هذا الوضع يجعل من المستحيل بالنسبة لاسرائيل أن تحصل علي "وقت مستقطع" جديد عن طريق شن حرب اخري ضد أهداف مدنية في لبنان أو غزة أو الضفة الغربية. والبديل الوحيد أمام إسرائيل هو الحصول علي "الوقت المستقطع" الذي تريده بالدبلوماسية بدلا من الحرب. وبمعني آخر أن يتقدم نتنياهو بمبادرة سلمية حقيقية لاقامة الدولة الفلسطينية. وما لم يحدث ذلك، فربما تفقد إسرائيل فرصتها في الحصول علي هذا الوقت المستقطع إلي الابد وتعيش في حروب مستمرة ليس فقط ضد العرب والفلسطينيين بل ربما ضد العالم أجمع. واذا كان العالم قد رفع كارت الانذار الاصفر في وجه اسرائيل بعد تجاوزاتها الاخيرة ضد المدنيين فان تكرار هذه التجاوزات سيضع اسرائيل لا محالة في مواجهة الكارت الاحمر.