هل يكون رهاننا اليوم علي الأشخاص، أم السياسات والبرامج والأفكار؟ ربما هو سؤال اللحظة ومأزقها، ولقد جاءتنا الإجابات الواضحة من جماهير شعبنا العظيم حين عز ذلك وألغز علي النخبة الحائرة المترددة. علي من يكون الرهان إذن؟ كان عنواناً لمقال سابق في الفكر والسياسة إبان احتدام أحداث مابعد 25 يناير، وجاء قبله في مقال"مشهد مأزموم وانتلجنسيا حائرة" عندما رأيت حضور الجماهير حين غابت النخبة وألتبس عليها الأمر وكانت أسيرة طموحاتها وأطماعها. كان الإجابة قبل 25 يناير هي الرهان علي الشعب وقواه الحية الواعية الفاعلة، ما تأكد في 30 يونيو، وعندما تبدي في الأفق الاستحقاق الرئاسي كان شاغل الناس، هو الرهان علي شخص يحقق شروط القيادة والتجرد والوطنية، تتماهي أفعاله ومواقفه وتصوراته مع آمال الناس وأشواقهم للعدل والحق والتقدم والحرية، واختار الناس بفطرتهم ومخزوج ثقافي عميق، الرهان علي زعيم ملهم كانت صورة السيسي ومواقفه وأفكاره نموذجاً له، ومع أعمال لجنة الخمسين لوضع الدستور بدأ الناس مع تعلقهم بالسيسي يعيدون إكتشاف عمرو موسي وقدراته وطاقته وشبابه، لقد أثبت ذلك الثعلب العجوز أنه لايزال شاباً قادراً علي المبادرة والفعل والتخطيط والتدبير والحسم، وسادت في أرجاء الوطن قناعة مستقرة في ضميرنا الجمعي، أن الرجلين: السيسي وموسي لاغني عنهما لتحقيق طموحات الوطن وأهداف ثورتيه ووضع مصر علي طريق المستقبل. وأدهشني ذلك الوعي الجمعي الذي اختار السيسي ليكون رئيساً ومعه عمرو موسي رئيساً للوزراء. لقد كان من المفترض بعد تجربة شعب لثورتين في خلال أقل من ثلاثة أعوام أن يتحول ارتباط الناس ورهانهم علي السياسات والبرامج والمؤسسات، لا علي الشخوص، فقد ولي عصر الأبطال والعالم كله يعيش عصر الجماهير والمؤسسات، لكن حكمة هذا الشعب وقراءته السياسية للمشهد العام رأت عكس ذلك، ومن واقع خبرتنا مع الشعب المصري الذي قال عنه جمال عبد الناصر، إنه القائد والمعلم، أثبتت أن رؤيته أسبق وتصوراته أفضل وانحيازاته أصلح وقراءاته أعمق. ولا تنسي أن الجماهير التي تعلقت ببطولة السيسي وأعادت إكتشاف عمرو موسي لاتزال تؤمن بقيمة العلم وقدراته علي صنع واقع جديد لوطن يثور وينتفض ويتقدم. علي الأقل هذا ماوصلني من خلال التواصل التفاعلي مع القراء ومن مجمل الندوات العامة واللقاءات المباشرة مع الناس في الشارع المصري الذي لمست أنه فقد الثقة في النخبة جراء انتهازيتها وأنانيتها وضعفها، وصبية السياسة ونزق أفكارهم وتسطح ممارساتهم، ووكلاء الخارج ومؤسساته ومؤامراتهم، فوضعوا كل رهانهم علي الرجلين: الفريق السيسي والسيد عمرو موسي ليقودا معاً وطن تتناوشه الأحداث وتحاك له الأفاعيل من الخارج كما من مغامري الداخل، ولقد سمعت بنفسي هذا في لقاءات جامعية وشبابية وجماهيرية، يستنكر فيها المواطنون غباء القوي العظمي ومحاولاتها المكشوفة في الإصرار علي إدماج قوي الإرهاب في صلب العملية السياسية في بلادنا، بينما هم يحاربون كل من تحوم حوله هذه الشبهة في بلادهم بكل قسوة. ثم لماذا يحاولون إدماج الإرهاب في حياتنا السياسية؟ إذن هي محاولة لإستعادة الإخوان الإرهابيين وقوي الإسلام السياسي لمخططاتهم لإعادة رسم خرائط المنطقة، وتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وجهت إليه مصر ضربة قاسمة في 3 يوليو. وألحقتها بضربة موجعة بإنهاء أي احتمال لإعتماد الولاياتالمتحدة وحلفائها للإخوان الإرهابيين بديلاً لنظام الثورة بقرارها الجرئ الذي تأخر طويلاً باعتبار الإخوان تنظيم إرهابي. وهنا تنبه الناس إلي أننا أمام مواجهة صعبة مع غرب منحاز غير برئ لايفتأ أن يفتي في شأننا الداخلي وكأنه وصي علينا، ومازال صبية السياسة عندهم يعطوننا إرشادات كيف تكون خارطة المستقبل والديمقراطية والعمل السياسي العام في بلادنا، ولن يقطع ألسنتهم إلا رئيس قوي يلتحم مع الجماهير ويحوز ثقتها وأيمانها بوطنيته وسياسي مخضرم ذو قدرات خاصة لرجل دولة يعرف أولويات أجندة الحكومة التي عليها تحقيق حلم الناس في وطن حداثي ديمقراطي محترم ومتقدم. إنهما السيسي وعمرو موسي، وهكذا أجابت الجماهير سؤال اللحظة: علي من يكون الرهان؟.