ماذا عساكم تنتظرون لإعلان الإخوان تنظيماً إرهابياً فتضعون العالم أمام مسئولياته وتقطعون عليهم خطوط الإمداد والدعم الخارجي وتمنعون إجرامهم الداخلي، ولاتجعلوا من حكومتنا مثالاً للضعف والتردد والارتباك يغري المتربصين بالتطاول والتمادي. كيف؟ للإجابة أسوق لك هذه الطرفة. جاء في كتاب "مجمع الامثال" لأبي الفضل الميداني، كان "طرفه بن العبد" في سفر مع عمّه فنصب فخّا للقنابر "نوع من الطيور" ونثر حبّا فلم يصد شيئا، فلما تهيأ للرحيل رأي القنابر يلتقطن الحبّ، فقال في ذلك :يا لك من قبرة بمعمر / خلا لك الجو فبيضي واصفري، وهو مثل يضرب عند انتفاء الموانع والمحاذير فيتمكن المخادع من تحقيق مآربه، وهذا حال حكومة الفرجة مع من حولوا مصر مسرحاً للفوضي والعبث من طيور الظلام والمخاتلة. وللأمر قصة. لقد كتبت منذ قرابة العشر سنوات مقالاً في "الأهرام" بعنوان "مشهد مأزوم وانتلجنسيا حائرة"، وبعد ثورتين وما استصحبهما، لاتزال الأزمة قائمة، والانتلجنسيا الذين هم السياسيون وقادة الفكر والرأي وأساتذة الجامعة ورجال الدولة حائرون. زاد علي ذلك أن ضميرنا الجمعي في حالة من عدم اليقين والتوجس والقلق، عاجز عن تقبل مانحن فيه ورافض لمشهد الدولة إذ تبدو عاجزة غير منجزة. والأزمة هنا ليست بمعناها الاقتصادي المحدود، إنما تتجاوز ذلك إلي اعتقاد الناس أن قدرات هذه الأمة وطاقاتها تؤهلهم لأفضل مما هم عليه وأحسن مما هم فيه. يؤرق ضميرنا الجمعي أسئلة المصير وتطلعات المستقبل في ظل أفق يبدو معتماً وغامضاً. تتوالي الأسئلة ولا من مجيب، إذ لماذا قمنا بثورتين خلال عامين؟، دفعنا فيهما ثمناً فادحاً ولاتزال حكوماتنا تعيش علي الإعانات والمساعدات، لايستقر لنا مأمن ولايحلو لنا عيش، ولاتلبي حاجاتنا حكومة، ويتطاول علي قدر مصر الصغار، تسرق فرحة شبابنا وأعمارهم وتستنزف دمانا وتضيع أيامنا فيما ننام عليه لنصحوا علي أسوأ منه، نتمسك بالأمل كل يوم ونمني أنفسنا بغد نستعيد فيه وطناً أكثر رحابة وأعز قدراً وقيمة وقامة، بينما حكومتنا الفاشلة مشغولة بلاشئ، فجهابزة الاقتصاد لم يقدموا إلا أحاديثاً في السياسة، ولم يقدموا رؤية أو تصوراً أو خطة يمكننا أن نطمئن علي قدرتها في اجتراح الأمن والاستقرار والخروج من دوائر العوز والندرة والكفاف إلي حد الكفاية، وكأنهم لايرون الشعب إنما يخاطبون سيدهم الذي في البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، يطمئنونه كل يوم أنهم مخلصون لوصفة "البرادعي" في محاولة تركيع مصر أمام جحافل الظلام والتآمر وإرهاب التنظيم الدولي. وما إن يتشدق إخوان الإرهاب بأي كلام فارغ حتي يتباري زياد بهاء الدين وأحمد البرعي والببلاوي بتلقف الكلمات وإصدار البيانات وعقد المؤتمرات وتحديد المشروطيات وكأنها حكومة رد الفعل وصدي الصوت التي تأبي إلا الرقص مع الذئاب. ولاتحرك حكومة الدمي المتباطئة ساكناً لتفعل القانون وتحاسب المجرمين، وكأنها حكومة الفرجة في مسرح العبث، وهي في سلوكها هذا إنما تربك الدولة وتشغل القوات المسلحة وتضغط علي أعصاب الشرطة وتفقد ثقة الناس ولاتحوز إلا غضبهم. حادثني نفر من أعضاء الحكومة عاتباً علي نقدي لهم وأنا لم أكتب إلا ماأملاه علي ضميري الوطني ورؤيتي للمأزق الذي وضعونا فيه، ولم تكن كلماتي إلا صدي لضميرنا الجمعي الرافض لهم المتوجس فيهم. لقد أعطاهم الشعب فرصة ومائة وغيرها، وصبرنا علي إفلاسهم بدعوي حساسية المرحلة التأسيسية وأنه لابد من دعمهم للمرور من عنق الأزمة، لكن خاب رجانا. إن ضعف الحكومة وسكوتها أغري "القنابر" بالتمادي والتزيد والتطاول في الداخل والخارج. وما نحن فيه الآن إن هو إلا جراء تخاذل الحكومة وارتعاشها وترددها. أنا لست في عداء مع الحكومة ولا غيري، هي التي ليست علي قدر مسئوليات المرحلة ومقتضياتها والثورة واستحقاقاتها، وكتبنا لهم عشرات المرات، ولا من مجيب، قلنا لهم ماتفعلونه سيؤدي إلي مخاصمة مع الشعب، وقلنا لهم بترددكم وضعفكم تحرجون الفريق السيسي الذي راهن عليه الشعب وفوضه في مكافحة الإرهاب، وتوقعون بينه وبين الجماهير. وماذا كان الرد؟ لقد كلفوا د. زياد بحملة لتحسين الصورة السلبية للحكومة والدفاع عنها، ويالها من مفارقة أشبه بالكوميديا السوداء، د. زياد وأكيد معه د. البرعي وربما مصطفي حجازي، إذن أبشر بطول سلامة يامربع. الشعب يحتاج قرارات وخططا واستراتيجيات وأفعالا ومواقف تعلن عن نفسها علي الأرض وليس حملة علاقات عامة ياسادة. وبدلاً من مخالفة القانون ومجاملة مرسي بنشر خطابه من وراء القضبان بشفرة التحريض علي الاغتيالات السياسية والعنف الدموي والفوضي وحرق الجامعات، ألم يكن أجدر بالحكومة إعلان الإخوان منظمة إرهابية ووضع العالم كله أمام مسئولياته في مكافحة الإرهاب لنتفرغ للبناء والتنمية. وأنصح للمرة الأخيرة حكومتنا الفاشلة بأن تخشوشن قليلاً لأن من أمن العقاب أساء الأدب، وأن من لم يوزع بالقرآن "الأخلاق" يوزع بالسلطان "القانون"، وألا يحاولوا الوقيعة بين "السيسي" والشعب، فسنظل ندعمه ونراهن عليه، لكن وأقولها لقائد يعرف معني الكلمة، سيادة الفريق إن هذا الشعب لم يعد يوقع لأحد علي بياض، فليسربوا ضدك ماشاءوا وليتعهد الببلاوي بانتهاء حكم العسكريين كما شاء، لكننا سنظل ندعمك ونطلبك للرئاسة، فإن أحسنت أعناك وإن أخطأت قومناك وإن خذلتنا قاومناك، ولاأحسبك تخذلنا.