لا جدال في أن الدولة المصرية أصبحت, وعلي مدي ثلاث سنوات, مرتهنة لدي بضع مئات ليس أكثر من المرتزقة, والمبتزين, والممولين, والمتنطعين.. ومنذ25 يناير2011, وكل قرارات الدولة رهن لرضا هؤلاء, وكل تصريحات المسئولين يجب أن تراعي ردود أفعالهم, بل وصل الأمر إلي أن الدولة تتردد, وترتعش, ثم تتراجع, مع ضغط هؤلاء, مما كان له أسوأ الأثر علي كل ما صدر من قرارات, وتشكيلات, كان آخرها قانون التظاهر, الذي صدر مسخا نزولا علي رغبتهم, وقبل ذلك تشكيل لجنة الدستور, التي جاءت هزيلة وهزلية أملا في إرضائهم. وقد جاءت الأحداث, التي واكبت صدور القانون, خلال الأيام الماضية, لتكشف أكثر, وأكثر, عن هذه الحقيقة المفزعة, بعد أن أصر هؤلاء علي فرض إرادتهم, بالاستهانة بالقانون, منذ اللحظة الأولي, في رسالة للعالم, مؤداها أنه لا توجد دولة علي أرض الواقع, وفي رسالة إلي الداخل تحمل في طياتها دعوة صريحة إلي التمرد, وعدم الاعتداد بأي قرارات, أو قوانين, أو مراسيم, أو ما شابه ذلك, وهو الأمر الذي يؤكد أننا لم نتقدم خطوة واحدة إلي الأمام, منذ ذلك التاريخ سالف الذكر, بل علي العكس, فقد ارتددنا من وضع الدولة إلي اللادولة! المسئولية هنا, ودون مغالاة, تتحملها القوات المسلحة, التي بدا واضحا أنها أبت أن تكمل المسيرة, وليس ذلك فقط, بل سلمت, واستسلمت, لهؤلاء, وتركت لهم العنان, يواصلون الليل بالنهار في التآمر علي مستقبل وطن, هو أمانة لدي هذه القوات, ومستقبل مواطن, وثق فيها إلي حد التفويض في كل شيء, وأي شيء, وراح المواطن يبحث عن تفسير لهذا التخاذل الصارخ, دون جدوي, وأخذ يسأل بلا مجيب, بل وصل الأمر إلي أنه أصبح يستجدي دون أدني انتباه. فعلي مدي ثلاثة أعوام, لم يكن الشعب بحكم الأغلبية هو الفاعل أبدا في صناعة القرار كما يعتقد البعض, بل كان, طوال الوقت, مفعولا به, من قبل هذه الأقلية القليلة, فراحت تصر علي محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك, تشفيا, وغلا, علي الرغم من التاريخ المشرف للرجل عسكريا ومدنيا, وراحت تسعي للانتقام من وزراء سابقين, كراهية, وحقدا, علي الرغم من تبرئتهم وإنصافهم قضائيا, كما راحت تصر علي استمرار المشهد السياسي مشتعلا, وذلك نزولا علي إملاءات خارجية, وراحت تعمل علي التخلص من دستور1971, وهي تثق في أنه الأفضل بين أقرانه, وراحت تطعن في القوات المسلحة, وهي توقن أنها الركيزة الأساسية لبنيان أي وطن, كما راحت تؤلب علي الشرطة, أملا في انفلات لا يبرأ منه المجتمع, وها هي الآن تستمر في غيها, مادام الهدف لم يتحقق حتي الآن, وهو إسقاط الدولة!.. فماذا نحن فاعلون؟ في البداية, تجدر الإشارة إلي أن قانون التظاهر, الذي صدر بشكله الحالي, قد تم تجريده من كل ما هو ذو أهمية, خلال الأسابيع, التي حجب خلالها عن الصدور, وعلي الرغم من ذلك, فقد قوبل بهذا الرفض العنيف, وغير المبرر, ليس من الداخل فقط, بل تعدي الأمر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية, التي أعطت لنفسها الحق في التدخل في شئون الدول المهترئة من الداخل, وكنت أحبذ, للخلاص من مزايدة هؤلاء, وتدخل أولئك, أن ننقل قانون التظاهر الأمريكي كما هو, لإقراره لدينا, لنري رد الفعل, هنا وهناك, وهو القانون الذي يمنع منعا باتا التظاهر بالقرب من المنشآت الحكومية, وتحديد طالب التظاهرة الحد الأقصي المتوقع للمتظاهرين, وعدم السماح بالمبيت في المكان المحدد للتظاهرة لأي سبب, بل إن فض التظاهرة يجب أن يتم بحلول السادسة مساء, وأحقية الجهات الأمنية في فضها إذا ما حدثت أي أعمال شغب, وأحقية الشرطة في اعتقال أي متظاهر يخرج علي القانون, كما لا يسمح بإنشاء أماكن ثابتة في مواقع التظاهر, ويتعهد المنظمون للتظاهرة بتنظيف المكان عقب الانتهاء من الفعاليات, ويحق للشرطة منع دخول متظاهرين جدد لمكان التظاهر, إذا تبين أن العدد قد زاد علي الحد المسموح به, منعا للازدحام, والتدافع, الذي قد تنتج عنه حالات اختناق, أو وفيات, بل إن القانون هناك يجرم دخول المتظاهرين إلي أي مناطق محظورة تقع تحت حماية الخدمة الشرطية, أو المشاركة في سلوك غير منضبط يعوق أو يعطل التسيير المنظم لأعمال الحكومة, أو أي وظائف رسمية أخري. وفي فرنسا.. يجيز القانون استخدام القوة ضد الغوغاء, باستعمال الأسلحة المنصوص عليها في قانون العقوبات, وهو القانون الذي يجيز استعمال السلاح الناري بموجب أمر صريح صادر عن السلطة المختصة, تقرره وهي حاضرة في المكان نفسه, بينما يحتم القانون البريطاني إبلاغ الشرطة كتابيا قبل موعد التظاهرة بستة أيام, ويحدد الطلب تاريخ, وزمن المظاهرة, والمسار الذي سوف تسلكه, وأسماء وعناوين المنظمين, والأشخاص, ومنع أي اعتصام أو مظاهرة من شأنها أن تؤدي إلي غلق شارع, أو عرقلة حركة المرور علي الطرق العامة, أو الخاصة, كما يمنع إنشاء خيام, أو أي هيكل آخر, للنوم أو استخدام أي معدات لهذا الغرض, بالإضافة إلي ذلك منع الوجود حول البرلمان, أو المنشآت الحيوية, مثل داوننج ستريت, مقر رئاسة الوزراء, وفي إسبانيا, يفرض القانون غرامة علي المواطنين عند قيامهم بمظاهرات غير مرخصة, كما يجرم إهانة رجال الشرطة, ويمنع المتظاهرين من ارتداء أقنعة, أو أي شيء يخفي هويتهم, وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتحدث المادة الرابعة عن أنه في مثل هذه الحالات الاستثنائية, التي تهدد حياة الأمة, يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها مادامت لا تتنافي مع الالتزامات الأخري المترتبة عليها بمقتضي القانون الدولي. وبصفة عامة.. فإن كل القوانين في العالم تعطي الحق في رفض الدولة التظاهرة أو قبولها, دون الرجوع للقضاء, أما لدينا فقد منح القانون هذا الحق لمنظمي التظاهرة, كما أن كل قوانين العالم تمنع منعا باتا الاعتصام أو المبيت في أماكن التظاهرة, وهو النص الذي تم حذفه من القانون الصادر مؤخرا, وفي كل دول العالم يمنع منعا باتا تغطية الوجه خلال المظاهرة, أما لدينا فقد أضيف نص غريب يقول: إذا كان ارتداء القناع بقصد ارتكاب جريمة, وذلك في محاولة لفتح ثغرة أمام الفاعل للإفلات من العقوبة, وعلي الرغم من أن كل الإجراءات الواردة في القانون المصري تتفق مع المعايير الدولية, وبصفة خاصة ما يتعلق منها بقواعد استخدام القوة, وتطبيق حالات التدرج, والضرورة, والتناسب, فإننا وجدنا ردود أفعال غريبة تدل علي التحفز, وتؤكد أن الأمر لا يتعلق أبدا بالقانون, بقدر ما يتعلق باستغلال الفرصة لافتعال الأزمات, وإثارة الفتن, والعودة إلي أجواء الفوضي, وهو ما وجد استنكارا شعبيا واسعا, في الوقت الذي بدا هناك تخاذل إعلامي, بل ربما دعم لهذه الفوضي. وكان أكثر ما أثار الانتباه.. بجانب ما تسمي القوي السياسية, أو بعضها, هو رد فعل أعضاء لجنة الخمسين, المكلفة بتعديل الدستور, حيث انبري عدد منهم لتعليق عضويتهم باللجنة, لحين الإفراج عمن تم القبض عليهم في المظاهرات, وقد أكون من بين من تنفسوا الصعداء ابتهاجا حين علمت أن اللجنة قد علقت عملها, وكنت أتمني أن تستمر علي موقفها, حتي نتخلص من هذه الغمة, التي علقت بنا في غفلة من الزمن, أملا في العودة إلي دستور1971, وسوف أسوق هنا طرحا من بعض زملاء العمل, الذين أشاروا إلي أمنيتهم أن يكون الاستفتاء المزمع خيارا بين دستور1971, والدستور الجديد, بمعني أن يختار المواطن بين الاثنين, وإذا حصل الدستور الجديد علي نسبة25% موافقة, فنحن معه, إلا أن الإصرار علي ذلك الدستور المزمع, علي الرغم مما يعتريه من تشابكات, ومقايضات; يؤكد, أيضا, ما أشرنا إليه في السابق; من أننا شعب مفعول به, وليس فاعلا, لأنه لا يجوز بأي حال تشكيل لجنة لإعداده, لا تلبي طموحات الشعب, وتضم أشخاصا لا ترقي إلي مستوي إعداد اللوائح المدرسية, كما لا يجوز أن نضع المواطن في مأزق الأمر الواقع, إما الموافقة علي الدستور, أو الفوضي. وما يجب أن ندركه.. هو أن الاحتجاج علي قانون التظاهر كان مجرد بروفة للاحتجاج علي كل شيء في المستقبل: الاحتجاج علي الدستور حين الانتهاء منه, والاحتجاج علي نتيجة الاستفتاء, والاحتجاج علي طريقة إجراء الانتخابات البرلمانية, والاحتجاج علي نتيجتها أيا كانت, والاحتجاج علي الانتخابات الرئاسية, وعلي مرشحيها, وهو الأمر الذي كان يجب أن يواجه بمنتهي الحزم, ليكون بمثابة رسالة إلي كل هؤلاء, بأن الدولة سوف تمارس مهامها علي الوجه الأكمل, إلا أن تصريحا لرئيس مجلس الوزراء قد ضرب كل ذلك في مقتل, حينما أعلن أن من تم القبض عليهم خلال المظاهرات سوف يفرج عنهم فورا, في تحريض واضح علي عدم الانصياع للقوانين, وفي إشارة إلي أن الدولة تكيل بمكيالين: متظاهرو إشارة رابعة سوف يعتقلون بلا هوادة, ومتظاهرو6 إبريل سوف يفرج عنهم دون مساس, ولا أدري لذلك الخضوع سببا منطقيا, فهناك رئيسان سابقان للدولة يقبعان في السجن, وهناك رئيسا وزراء سابقان, تم حبسهما, وهناك مسئولون رفيعو المستوي تم اقتيادهم إلي السجن, أما حينما يتعلق الأمر بأصحاب الأقنعة السوداء, أو المحتمين بالخارج, فتخرس ألسنة المسئولين, أو تنطق زورا! هو إذن الطابور الخامس.. الذي أصبح من الشراسة, لدرجة تتخاذل أمامه الدولة الرسمية, فلم نسمع عن اقتياد من تطالوا علي جهاز الشرطة, في هذه الليلة الظلماء, من خلال وسائل الإعلام إلي النيابة, كما لم نر ردا علي من أثاروا الفوضي في المجتمع بتصريحاتهم الداعمة للبلطجة في وسط العاصمة, تحت مسمي إحياء ذكري الشهيد جيكا!, وهم بذلك أرادوا إرهاب جهاز الأمن مرة أخري ليعود إلي ثكناته, كما أرادوا الضغط علي النيابة العامة حتي لا تمارس مهامها علي الوجه الصحيح, إلا أن الغريب في الأمر, هو ذلك الصمت المطبق من القوات المسلحة تجاه ما يجري, وكأنها علي موعد مع الكوارث فقط, بمعني أنه يجب أن تكون هناك كارثة أولا حتي تنتفض, وتعيد الأمور إلي نصابها, في إطار سياسة رد الفعل, علي الرغم من أن أهم استراتيجيات الأمن إجهاض المؤامرات في مهدها, وهو ما يعرف في العسكرية بالاستباقية, وهو الأمر الذي يحتم إعادة النظر في التعامل مع المرحلة الراهنة بما يتوافق ومصلحة وطن يمكن أن ينفجر, وليس بسياسة حافة الهاوية, التي تنطلق من توازنات ومواءمات, أفسدت المجتمع.. وأهلكته. وأعتقد.. أن رد فعل الشارع علي أحداث الأيام الماضية, واستياءه من ردود الأفعال التي صاحبتها, هو بمثابة استفتاء علي أهمية التعامل مع هذه الأوضاع, كما أن استمرار تأثير ذلك علي حركة السياحة, والاستثمار, ومصالح المواطنين هو مبرر كاف لعدم التغاضي عنها, بالإضافة إلي أن الخروج علي القانون, في حد ذاته, والنيل من هيبة الدولة, هو أخطر ما يهدد مستقبل الوطن, والمواطن, ولم يعد خافيا, أيضا, أنه في ظل استمرار هذه الأوضاع, فإننا بصدد إنتاج أجيال جديدة من المنفلتين الذين لا يعيرون اهتماما لقيم الدولة, ولا للكرامة الوطنية, ولا لأي مثل, أو أخلاقيات, فما بالنا إذا وجدنا أن معظم من يتم الاعتماد عليهم في أعمال الفوضي, ومقاومة السلطات, هم في العشرينيات من العمر, أو أقل, بمعني أن هناك خطة واضحة لتربية النشء علي هذا النهج غير السوي, وهي ظاهرة أصبحت واضحة, ليست في العاصمة فقط, وإنما في المحافظات أيضا, وهو ما ينذر بمخاطر لن تحمد عقباها في المستقبل, القريب والبعيد معا, في ظل تراجع التربية الوطنية, والتربية الدينية بالمدارس, وفي ظل تأثير بعض الفضائيات علي عقول العامة, بما تحمله من رسائل, بدت مشبوهة في معظمها. علي أي حال.. فإن هذا الوضع الراهن يجرنا إلي تأكيد عدة مسلمات يجب ألا نتجاهلها حين مواجهة ذلك الخلل الحاصل الآن, هي: أهمية دعم جهاز الشرطة ماديا ومعنويا لاستعادة دوره المنوط به, وعدم التراجع عن ذلك تحت أي ذرائع, وسوف يجد في ذلك تأييدا شعبيا منقطع النظير. دعم النيابة العامة, أيضا, وعدم السماح بالتأثير عليها, بأي شكل من الأشكال, سواء من حيث المظاهرات, التي أصبحت تصل إلي مسامع القائمين علي التحقيقات, أو من خلال وسائل الإعلام, التي تعمل في بعض الأحيان علي توجيه الأحداث, أو من خلال تصريحات مسئولين لا تتفق مع المصلحة العامة للبلاد. اتخاذ موقف واضح وحازم من القوي السياسية, التي لا تتورع عن صب الزيت علي النار, طوال الوقت, بتأجيج الأحداث, وإشعالها, والمشاركة فيها. وضع حد للتردد في اتخاذ القرارات, أو التراجع عنها, وهو الأمر الذي يغري الكثيرين بالتجرؤ علي الدولة, وقادتها, بالإضافة إلي أن ذلك يضعف من هيبة الدولة, وينتقص من سيادتها. تحميل من يتم القبض عليهم, خلال المظاهرات, تكلفة إصلاح التلفيات, وأعمال التخريب, والتدمير, فلا يعقل أن تستمر الدولة في إعادة إحلال وتجديد هذه المواقع بصفة يومية, ولا يتحمل الفاعل مسئولية ما ارتكبه من جرم. وبعد.. فإن الحديث الدائر, الآن, حول إلغاء قانون التظاهر, هو ضرب من العبث, كما أن دعوات التظاهر ضده تصبح تمردا يحتاج إلي إجراءات استباقية شاملة, تردع مثل هذه الممارسات, الآن, وفي المستقبل, بالإضافة إلي ذلك, فإن من أصدروا القانون يجب أن يتحملوا مسئوليتهم بالدفاع عنه, ومواجهة محاولات الافتئات عليه, حيث بدا واضحا أن هناك حالة استحياء, وربما قصور, في التعامل مع الموقف, وهو ما شجع الآخرين علي التمادي في التطاول, ونشر الشائعات, وإشاعة الفوضي, وخاصة أننا مقبلون علي مراحل, بالتأكيد, سوف تكون أكثر إثارة وتشكيكا, وهو الأمر الذي يحتم أن يكون للمرحلة رجالاتها, التي تتناسب معها, بالذود عنها, والضرب بيد من حديد علي من يحاول تعويق مسيرتها, أما إذا كان القائمون علي أمرنا ليسوا علي مستوي الحدث, أو أن المسئولية أكبر بكثير من إمكاناتهم, فهنا تكمن المشكلة, وحينذاك سوف يظل الغوغاء يتقدمون المشهد, ويرتهنون الدولة أكثر وأكثر! الدوري العام.. وقطار الصعيد! حسنا فعلت الدولة بإعادة تسيير قطار الصعيد بعد معاناة مواطني الإقليم خصوصا, علي مدي نحو أربعة أشهر, أضيرت خلالها سمعة الدولة سياسيا, واقتصاديا, وسياحيا, وهو ما ينطبق علي توقف الدوري العام, وعدم موافقة الأمن علي عودته حتي الآن. فتأمين القطارات, وركابها, مسئولية الدولة, كما أن تأمين الاستادات, والجماهير, مسئولية الدولة أيضا, وبالتالي يجب ألا نتخاذل أمام هذه وتلك, أيا كانت مؤشرات الخطر, الذي يمكن أن يظل قائما, بل متفاقما, إن استسلمنا أمام تهديد من هنا, أو وعيد من هناك, فالمواجهة مع الإرهاب هي الحل الأمثل, أما الخضوع, فسوف نخسر معه علي كل المستويات. وحسب المعلومات المتاحة, فإن هيئة السكك الحديدية, بجانب خسائرها المادية, قد فوجئت أيضا بأن المشكلات الفنية, التي واجهتها بسبب هذا التوقف, كبيرة, ومعقدة, وسوف تتطلب وقتا ليس بالقليل, للوصول إلي الطاقة القصوي في التشغيل, والسرعة المعتادة, كما أن توقف الدوري أكثر من ذلك سوف يسفر عن تسريح لاعبين, وتسفير, وإعارة, وهروب آخرين, وهو ما يتطلب في تداركه وقتا طويلا, ناهيك أيضا عن الخسائر التي ستطول الأندية جراء ذلك. إن هذين النموذجين كفيلان بأن تستوعب الدولة درسا مهما, هو أن عجلة العمل والإنتاج في المجتمع, يجب ألا تعوقها أي تحديات, فما بالنا إذا كانت هذه التحديات صنيعة جماعات, حملت علي عاتقها هدم الدولة, وتدمير اقتصادها!.. وإلا لما وجدنا من يطلق قذائف علي مصنع أغذية بسيناء, أو من يحرق عربات الترام بالعاصمة, أو من يحاول عرقلة السياحة في منطقة حيوية, كالأهرامات. ومن هنا, كان إصرارنا طوال الوقت علي أن تكون المحاكمات العسكرية هي القول الفصل في مثل هذه القضايا, التي تستهدف تقويض أركان الدولة, وخاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية, فلا يعقل التعامل مع أرواح الناس, ومصالحهم, بطريقة التعامل ذاتها مع تظاهرة, أو إغلاق طريق, وفي الوقت نفسه, فإن وقف حركة القطارات, أو مسابقة الدوري, قد جاء, بالتأكيد, بناء علي معلومات بأن شيئا ما يدبر في الخفاء, وهو ما يجب التعامل معه أيضا بضرب بؤر التدبير هذه في مهدها, ومحاكمة المتورطين فيها بهذه التهمة الشنيعة. وإذا كان هناك بين من يسمون الحقوقيين من يعترض علي هذه, أو تلك, فليتحمل مسئولية الكارثة حين وقوعها, ولأن ذلك لن يحدث, فإن الدولة تصبح مطالبة باتخاذ الإجراءات, وسن القوانين, التي تكفل حماية وأمن مواطنيها, دون النظر, ودون اعتبار لأي من هؤلاء, الذين فاض منهم الكيل, ضجيجا, دون أي طحين. ومن هنا تصبح الدولة مطالبة أيضا بإعادة الدوري العام, بالشروط, والمواصفات, التي تتناسب مع أمنها, وتحقق استقرارها, وذلك في محاولة لاستعادة الحياة, لمجمل الحياة المصرية, وضخ الدماء إلي شرايين الاقتصاد, وتشغيل الناس, والترفيه عنهم, وكفانا غما, وهما, علي مدي ثلاث سنوات, كانت كافية لإعادة تشكيل الدولة علي كل المستويات. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة