رغم أي سلبيات أو إخفاقات، سوف يظل لحكومة الدكتور نظيف السبق في فتح ملفات كان يصعب علي الكثير من الحكومات اقتحامها، أو حتي الاقتراب منها. وأعتقد أن ذلك كلف الحكومة كثيراً، خاصة إنها لم تنجح في إقامة علاقات من الثقة المتبادلة مع المواطنين، تؤخر أحكامهم المسبقة علي كل ما تقوم به. استخدمت الحكومة آليات ووسائل جديدة، تحقق لها القدرة علي التعامل مع متطلبات السوق العالمي، والمتغيرات الدائمة التي تشهدها. لكن يبدو أن خطوات الحكومة لتحرير الاقتصاد، لاتزال تصطدم بعقبات تقليدية تعود في معظمها لثقافة متوارثة لدي المواطنين، أثبتت الأيام أنها أصبحت عديمة الجدوي والنفع، في عالم يتغير ويتبدل كل يوم. عالم يصبح من الغفلة إن نحن تهاونّا أو تقاعسنا عن استخدام مفرداته وآلياته. إن مفهوم القوة عبر الزمن ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوة العسكرية، وتعداد ونوعية عتاد الجيوش، غير أن المفهوم يشهد اليوم تحولات كثيرة، جعلت من القوة الاقتصادية بديلا للقوة العسكرية في معظم أو كل الاحوال، وحقيقة مصر كقوة اقليمية في المنطقة سوف يرتبط علي مدي السنوات القليلة القادمة بمدي قدرتها الاقتصادية، والمدي الزمني الذي يستغرقه إعادة هيكلة اقتصادها، وقدرته علي التعامل مع الاسواق المفتوحة ولغة المصالح المشتركة. لا أحد يستطيع ان ينكر حقيقة ما تحقق في بلادنا في مجال الاصلاح الاقتصادي، رغم كل الثغرات والهفوات، ورغم الثقافة المتوارثة التي أوجدت نوعاً من الاتكالية وكفالة الحكومة لكل شيء، والتي تحولت للاسف الشديد الي حائط منيع يتحصن خلفه المواطنون عند اي قرار، أو اجراء يعتقدون انه يمس التزام الدولة بحق الكفالة الذي يعود الي زمن الديكتاتورية الاقتصادية، الذي يتخفي تحت مسمي الاشتراكية. ويبدو أن محاولة اغتيال الفرحة، واللون الأسود اصبح محبباً لدي كثيرين، والذين يغمضون عيونهم عن عشرات الانجازات والطفرات الكثيرة، التي تحققت علي ارض مصر، رغم كل الظروف العالمية غير المواتية والتي عصفت باقتصاديات عملاقة، وتهدد اليوم كل الدول. وسط هذه الازمات، دعونا نذكر بكل التقدير والاحترام الطفرة الهائلة والكبيرة التي احدثها وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي، في نظام المعاشات، والتي تكاد تمر مرور الكرام رغم انها تمثل انجازاً، سيكون من الجفاء ونكران الحقيقة ان نتجاهله. أمس الأول، بدأ اصحاب المعاشات صرف معاشاتهم الجديدة، والتي بلغت جملة الزيادة فيها 3.4 مليار جنيه، منها 8.2 مليار جنيه من الصناديق الخاصة، و5.1 مليار جنيه من خزانة الدولة المثقلة في الاساس. يحدث ذلك في الوقت الذي تئن فيه موازنات معظم الدول، حتي الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، والتي لجأ بعضها ولايزال إلي خفض في المرتبات والمعاشات لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. ولا أبالغ عندما أقول أن أشد المتفائلين لم يكن يتوقع هذه الزيادات، رغم عجز الموازنة والزيادات المطردة في حجم الدعم ومخصصات الأجور، وغيرها من الالتزامات الأساسية للدولة. الزيادة الجديدة في المعاشات المنخفضة، سيستفيد منها 3.7 مليون مواطن من أصحاب المعاشات أو أسرهم، ويمثلون ما يقرب من 84٪ من اجمالي أصحاب المعاشات. بموجب تلك الزيادة، فإن الحد الأدني لأي معاش سيصبح 123.60 جنيه، هي قيمة معاش السادات والمعاش الشامل. رفع المعاشات لن يقتصر علي الفئات الدنيا، ولكنه يشمل جميع الذين تقل معاشاتهم عن 370 جنيها. وكما أكد لي الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية، فإن تلك الطفرة في المعاشات جاءت تنفيذاً لتكليفات الرئيس مبارك، وحرصه الشديد علي تخفيف الأعباء عن أصحاب المعاشات المنخفضة وكبار السن، وتزامن معها صرف العلاوة الاجتماعية الجديدة. لقد جاء نظام المعاشات الجديد ليعيد البسمة إلي شفاه الملايين من الاباء والامهات، الذين يواجهون ظروفا معيشية صعبة من جراء الارتفاع المستمر في الاسعار، وهو الامر الذي تنبهت له الدولة، وشدد عليه البرنامج الرئاسي الذي تعدت معدلات تنفيذه البرنامج الزمني، ليؤكد من جديد انه كان برنامجا عمليا وواقعيا، تم وضعه بطريقة مبتكرة، وبناء علي موارد حقيقية خصصت له. وكلنا لانزال نتذكر ما قاله الحاقدون عن البرنامج واستحالة تنفيذه، وقد اكدت الايام حجم الكذب والافتراء الذي اصبح من ابجديات لغتهم. من حق الحكومة، ومن حق الوزير الدكتور يوسف بطرس غالي، الذي يؤكد دائما تمتعه بحس وطني رفيع المستوي، أن يفخروا بما حققوه من انجازات في قانون المعاشات الجديد. لقد تعرضت الحكومة ووزير المالية ولايزال لحملات اعلامية، هي جزء من مخطط لإبطاء خطوات مصر نحو التقدم ورفع مستويات المعيشة، والتي يتم تمويلها والتخطيط لها من الخارج، وباستخدام حفنة قليلة من مصريين تركوا عقولهم فريسة لحملات من التشكيك والبلبلة، لا هدف لها سوي النيل من دور مصر ومكانتها وقيادتها لعالمها العربي. وقبل ذلك محاولتهم المستمرة لاغتيال الفرحة في قلوب أبناء مصر. نواب الشعب بصراحة حكاية نواب قرارات العلاج علي نفقة الدولة تحتاج إلي اعادة نظر، بعيدا عن محاولات البعض ادراجها ضمن قضايا فساد بعض نواب الشعب.. بداية لابد ان نفرق بين نائب »شاطر« يقوم باستخراج قرارات علاج لمواطني دائرته، ونائب آخر يثبت استغلاله لهذه القرارات من اجل التربح. دعونا نقر بحقيقة الانتشار المزعج للعديد من الامراض، مثل الفشل الكلوي والفشل الكبدي وامراض السرطان، والتي تتطلب نفقات ضخمة للعلاج، وتمثل عبئا كبيرا علي كل نواب الشعب في دوائرهم. وباستثناء بعض الدوائر في القاهرة والجيزة والاسكندرية، والتي يتفرغ اعضاء مجلس الشعب فيها لمشاكل اكبر بعيدا عن الاهتمام بتلبية طلبات ورغبات فردية لمواطني دوائرهم، فإن كل اعضاء مجلس الشعب في جميع المحافظات، يقعون تحت عبء طلبات المواطنين وضرورة تلبيتها، ولأن العلاج علي نفقة الدولة وفقا للنظام القديم كان يتطلب نوعا من »الواسطة« والاستثناء، نظرا لكثرة اعداد المرضي، فقد كان امرا طبيعيا ان يسعي النواب لتلبية طلبات المواطنين. دعونا لانفرق كثيرا بين هؤلاء النواب، ونواب آخرين حصلوا علي العشرات والمئات من فرص العمل لابناء دوائرهم، ولايمكن بأي حال من الاحوال ان نتهم هؤلاء النواب بأنهم حصلوا علي استثناءات. بل ان نجاح النائب في توفير فرص عمل أو فرص علاج مجاني، تصبح مقياسا كبيرا لنجاح العضو داخل دائرته. والمواطن عندما يذهب لصندوق الانتخابات، لايهمه من قريب أو بعيد رأي المرشح في الموازنة، أو في مشروعات قوانين أو اتفاقيات، ولكن مايهمه هو اتاحة فرصة عمل لابنائه، أو الحصول علي قرار لعلاج احد افراد اسرته. من هنا فإن محاولات تشويه كل اعضاء البرلمان لمجرد حصولهم علي قرارات علاج اكثر من غيرهم تمثل خطيئة كبري، وهي علي العكس تماما تمثل نجاحا للعضو داخل دائرته. أما من يتربح أو يتاجر في قرارات العلاج، فإن إحالته للنيابة العامة تمثل أمراً حتمياً وضرورياً، أعرف عن يقين ان الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، لن يتواني لحظة عن القيام بذلك. اما الاتهامات المرسلة، وتباري بعض الاعضاء بالزج باسماء زملاء لهم. فهو أمر يلحق الضرر بكل نواب الشعب، ويساهم في زعزعة الثقة المتبادلة مع المواطنين.