ظاهرة الرغبة في مخالفة القوانين واللوائح والتعليمات التي تصدرها الحكومة ظاهرة متفشية بشكل لا ينكر في المجتمع المصري علي جميع مستوياته الاقتصادية والاجتماعية.. وليس من المبالغة القول بان هناك اجماعا أو اتفاقا ضمنيا بين العديد من افراد المجتمع علي ان الخروج عن انظمة وقوانين الحكومة لا يمثل عيبا أو نقيصة اخلاقية خاصة إذا لم تتكشف شخصية المخالف أو يفتضح أمره! وقد يكون من المفهوم ان يخالف بعض الاشخاص غير الملتزمين القوانين التي يرتب عليهم اتباعها التزامات مالية مثل قوانين الضرائب او الجمارك او القوانين التي تفرض الرسوم والمخالفات وغيرها.. اما ان تجد وانت تسير بسيارتك في الطرق السريعة عشرات الاشارات الضوئية تحذر من وجود رادار بالطريق رغم انعدام اية مصلحة بين الطرفين - المحذر ومتلقي التحذير - فهذا شيء مثير للدهشة فعلا، وينم عن رغبة كامنة لدي المواطنين في الضحك علي الحكومة حسب تعبير العامة! وغالب الظن ان هناك نوعا من عدم الثقة بين المواطن والحكومة منذ فترات طويلة من تاريخ المجتمع المصري، فالناظر الي العلاقة بين الطرفين يجد انها اقرب ما تكون الي علاقة عقود الاذعان التي تعقدها شركات المياه والكهرباء مع المشتركين ولا يملك الطرف الثاني الضعيف الا التوقيع علي عقد توصيل الحياة الي شرايينه - اقصد المياه والكهرباء!! وعملية عدم الثقة دعمتها حكومات كثيرة متعاقبة من خلال الوعود المتلاحقة التي دأبت هذه الحكومات ولو بحسن نية علي اصدارها والتي لم يصدق الاغلب الاعم منها خصوصا فيما يتعلق بتخفيض الاسعار وتوفير فرص العمل وغيرها مما لا يخفي علي القارئ. وهناك ملاحظة مهمة تتعلق بالرغبة في الضحك علي الحكومة وهي طبيعة الجهاز الحكومي المستند الي السلطة التي تجعل دائما من صاحبها شخصا متعاليا خصوصا علي الاعم الاغلب من افراد الشعب الذي مازال نصفه من الأميين او اشباه الاميين.. هذا التعالي في التعامل مع المواطن يوجد نوعا من الكبت الذي يرغب المواطن في تفريغ شحناته ولو عن طريق التحايل علي لجان الرادار أو كمائن الرادار كما يسميها معظم الناس "لاحظ مدلول كلمة كمين". يضاف الي ما سبق ان المواطن البسيط وليس فقط المواطن العليم ببواطن الامور يجد مظاهر فجة من الإسراف الحكومي المتزايد علي الرغم من التصريحات المتكررة بالوعد بتخفيض الانفاق الحكومي.. وبالتالي يشعر المواطن بان الضحك علي الحكومة ليس بالشيء المحرم لان الحكومة مبذرة، ومساعدة المبذرين ليست مطلوبة. ومن المفارقات التي تؤكد اعتقاد كثير من المواطنين بان الضحك علي الحكومة بالتهرب الضريبي والجمركي حلال ان بعض هؤلاء المتهربين تجدهم يتسابقون الي سداد زكاة المال او الي عمل بعض المشروعات الخيرية او الصدقات الجارية من اموال غير مسدد عنها حقوق المجتمع!! موضوع الضحك علي الحكومة يقودنا الي اقتراح جاد يهدف الي التصالح مع الحكومة، ملخصه ان يتم اختيار افراد الحكومة من شخصيات محبوبة او علي الاقل تلقي قبولا من المواطنين ويكون ذلك من خلال عمل قياسات لاتجاهات الرأي العام عن القيادات المرشحة لعضوية الحكومة بعد توافر شروط صلاحيتها الاساسية بالطبع ثم يطلب من افراد الحكومة تحقيق المعادلة الصعبة وهي استمرار تقبل الشعب لهم مع تأدية واجباتهم ومسئولياتهم الوزارية.. وتدعيما لهذا الاقتراح أري ان يتم ترشيح عدد معقول لعضوية الحكومة من خارج الجهاز الحكومي او الاجهزة والجهات التابعة له او التي تربطها علاقة وظيفية وثيقة بالجهاز الحكومي الام وذلك لضمان عدم اتخاذ الجماهير موقفا سلبيا من الوزير حتي قبل ان يبدأ عمله.. وحسنا فعل الدكتور احمد نظيف عندما اختار اثنين من رجال الاعمال وهم بحكم طبيعة عملهم غير مثقلين بأي ارتباط حكومي مسبق، واعتقد ان الشارع المصري قد رحب بهما او علي الاقل لم يشعر بأي حاجز من حواجز عدم الثقة بالنسبة لهما.. وانا هنا لا اطالب تحديدا بترشيح رجال الاعمال فقط ولكن هناك العديد من المهنيين اصحاب الكفاءات في مجال الطب والهندسة والزراعة والادارة والاقتصاد والمال من خارج الجهاز الحكومي وهم من ذوي الكفاءات الذين يمكن ان يتحملوا مسئولية العمل الوزاري. فماذا لو حاولنا تطبيق هذه الفكرة ولو تدريجيا؟ هل سوف نقضي او علي الاقل نقلل من الرغبة في الضحك علي الحكومة ثم بعد ذلك يتم عمل صلح بين المواطن والحكومة يصب في النهاية لصالح المجتمع.. أتمني ذلك!