بركسام رمضان ها هي أمامي في ثوب الزفاف مثل ملاك طاهر!! وكأن العمر كله تجسد في لحظة.. لحظة لا تحسب بعمر الدقائق والثواني.. ولكنها لحظة يتوقف فيها الزمن عن الدوران.. ها هي امامي في ثوب الزفاف مثل ملاك هبط من السماء وبجانبها زوجها.. لحظة حلمت ان اعيشها علي مدي عمر كامل.. شريط من الذكريات يمر امامي منذ ان كانت طفلة صغيرة رأيتها اجمل طفلة في العالم جلست اراقب طفولتها ومراهقتها وشبابها بقلب تتسارع دقاته مع كل لحظة وثانية تمر من عمر الزمن.. والآن ها هي امامي.. في تلك اللحظة التي انتظرتها وتمنيتها.. لحظة جعلتني اتسمر في مكاني لا اشعر باصدقائي او اقاربي او احبائي وهم يرشونها بالورود ويمطرونها بالزغاريد.. لحظة توقف فيها القلب عن الخفقان وتمركزت عيناي علي الوجه الجميل.. هل هذه هي اميرة ابنتي التي طالما خططت في ذاكرتي وفي وجداني ليوم عرسها.. كل تفصيلة.. كل لمحة كل خطوة.. كل لمسة يد.. ابنتي عروسة.. يا له من حلم.. لا اعرف ماذا قلت او ماذا فعلت او كيف واتتني القدرة علي التحرك من مكاني الي حيث اجلس.. كل الاصوات والتحركات التي حولي تلاشت كل الصور اختفت ولم يعد امامي الا وجه ابنتي العروسة الجميلة. »لك الله يا مصرنا« ران الصمت علي مسرح الاوبرا وكأن الناس علي رءوسهم الطير.. حتي الدموع الساخنة نزلت لتحرق الوجوه خوفا من ان تخدش حياء الصمت.. كانت الكلمات موجعة ومؤلمة حتي شاعرنا نفسه لم يستطع ان يملك دموعه وهو يغالب نفسه امام الميكروفون.. مصر.. مصر الغالية مصر فلذة الكبد وام الدنيا وعرس الفرحة تتعرض لابشع الجرائم من التخريب والدمار.. مصر عروس القلوب وصوت عبدالوهاب وام كلثوم وألحان السنباطي ومحمد فوزي وفكر العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم مصر التي يجب ان نفتخر بها وان تكون هي مصدر الهامنا اصبحت مجروحة متألمة ولا احد يهتم.. جاءت كلمات قصيدة د. احمد تيمور الذي ينتمي للشعر كما لو كان هو حياته ونبض الدم في عروقه.. جاءت قصيدته لترش الملح علي الجرح وتقول لنا افيقوا.. اذا اردتم ان تعود لكم مصر مرة اخري.. وإلا !!.. سوف اقتطع بعض ابيات من القصيدة لانها قصيدة طويلة ويصعب علي اليوميات ان تحتويها.. يقول: لك الله يا مصرنا الدامعة/ نسافر في دمع عينيك كي نتوضأ من نبع اول قطرة ماء طهور/ فنلقاك بين ظلال المسلات/ ساجدة راكعة/ لماذا اذن كفروك/ رموك بما ليس فيك/ وانت المزكية حاجة البيت/ انت الصبورة والمستكينة والقانعة لماذا إذن طعنوك/ وفاتوك مذبوحة/ باعك كل الذين اشتريت رخيصهم بالنفيس/ وما كنت يوما لهم بائعة/ لماذا تخلي عن الطيبة الطيبون هنا في بلادي/ وأمسوا خناجر في كف بعضهم/ وخناجر في ظهور بعضهم. ويختتم قصيدته قائلا: سوف تعودين يامصر ام الجميع/ بكل الربوع/ تعودين ام المآذن/ ام النواقيس/ ام الحقول وام الجنائن/ ام القري والمدائن/ ام الميادين ام الازقة/ ام الكرامة.. ام الشهامة/ لسوف تعيشين في فرحة دائما/ ونموت فداك/ ولا نرتضي ان تكون عيونك/ يا مصرنا ابدا دامعة!!. »قلب وسيم السيسي«!! اعرف د. وسيم السيسي منذ فترة طويلة ولكننا لم نلتق الا مرة او مرتين دعيت خلالها لحضور صالونه الرائع الذي يقيمه في منزله بالمعادي ويضم اقطاب الفكر والسياسة والعلوم، ولكن وسيم السيسي في حد ذاته حدوته مصرية.. نعم حدوتة مصرية بمعني الكلمة، حبه لمصر وتاريخها لا يضاهيه اي حب »فله قلب يسع العالم كله« علي حد تعبير عميد الادب العربي »طه حسين« في رائعته »اديب« د. السيسي يؤمن جيدا بمقولة »شامبليون« المولع بالحضارة المصرية والتي قال فيها: يتداعي الخيال ويسقط بلا حراك تحت اقدام الحضارة المصرية القديمة.. يقول السيسي: حين سألوا فرنسيس باكون كيف تتقدم اوربا؟ قال: ان يكون لها تاريخ!!. والانسان كائن حي ذو تاريخ.. لان التاريخ هو الصفة الوحيدة التي يتمتع بها الانسان عن سائر الكائنات الحية الاخري. ونحن نملك اعظم تاريخ اطلق عليه جيمس هنري برستد »فجر الضمير« لان تاريخ البشرية كان ظلاما قبل تاريخ الحضارة المصرية القديمة. نحن في حاجة الي 001 عالم مثل وسيم السيسي الذي يقول عن مصر: مصر علمت العالم.. علمته الايمان بالاله الواحد.. ها هو ذا اخناتون ينشد في برديته بالمتحف البريطاني: ايها الواحد الاحد الذي يطوي الابد، يامختزن الابدية/ ونورك يحيط بجميع مخلوقاتك/ يا مرشد الملايين الي السبل/ يا خالق الجنين في بطن امه/ انت جميل وعظيم ومتلألئ/ لم الحق ضررا بانسان ولم اعمل علي شقاء حيوان.. انها مصر هذه الفلتة الجغرافية التاريخية علي حد تعبير جمال حمدان التي يقول عنها هي في افريقيا جغرافيا وفي آسيا تاريخا، هي في الصحراء ولم تعد منها، بجسمها النهري قوة بر، وبسواحلها قوة بحر، تقع في الشرق وتطل علي الغرب.. قطب القوة للعالم العربي وحجر الزاوية للعالم الافريقي وأصل الحضارة للعالم كله.. ياليت شباب مصر يقرأون كتب وسيم السيسي ويستمعون اليه ليعرفوا الي اي ارض هم ينتمون ويدركون قيمة ما لديهم فيحافظون عليه وان كان لدي ايمان قوي بان مصر محروسة بعناية الله طالما فيها قلوب تحبها وتخاف عليها مثل قلب »وسيم السيسي«. »من فضلك طبطب علي« اخبرتني ابنتي »ليلي«.. ضاحكة ان هناك برنامجا جديدا اخترعته شركات الموبايل تستطيع من خلاله ان تدخل اسمك وتاريخ ميلادك وتطلب منه ان »يدلعك« وان يقول لك كلاما جميلا تحب أن تسمعه ولاتجد من يقوله لك.. علي قدر ظرافة هذا الكلام الا انني شعرت بالاسي والحزن.. لم يعد لدينا الوقت لكي نتحدث الي بعضنا البعض او نقول كلاما جميلا او حتي غير جميل.. الكل مشغول في حاله ورسائل ال SMS هي الوسيلة لكل شيء او مكالمات الموبايل السريعة ونظرة الي السائرين في الشارع او الواقفين في البلكونات او وسائل المواصلات تخبرك ان الجميع مشغول.. حتي احتياجاتنا الانسانية من مجرد كلمات رقيقة او حتي مجاملة تحولت الي رسائل عبر تليفون اصم لا يشعر بنا ولا يتحمس لافراحنا او احزاننا.. حتي انني لم اجد الا البرمجة التي تطبطب علينا وتحنو علينا وتقول لنا كلاما جميلا ربما يخفف من الضغط العصبي والسكر والكوليسترول الذي اصاب معظم الشعب المصري!! »كلمات ليست كالكلمات« »لو انني ولدت في الزمن القديم لصرخت مثل الوحوش في الغابات، ولكنني ابن هذا الزمان الذي يتوجع فيه الانسان سرا ثم يموت«. اسماعيل النقيب