عبدالحميد عيسى هاتفني من قنا وهو في حالة نفسية سيئة رغم ان قصته مع الشرطة مضي عليها قرابة الشهرين، اي مع بداية قرار حظر التجوال ولكن حالته النفسية السيئة اخرت البوح عن هذه الواقعة.. قال اسمي ياسين.. سني 33 عاما.. لا انتمي لاي تيار سياسي وكل همي لقمة العيش الحلال كنت في يوم من الايام في شوق ان أري الشرطة في الشوارع بعد ان انكسرت في اعقاب ثورة 52 يناير ويبدو ان الله استجاب لدعائي ودعاء امثالي ممن يقدسون الأمن، فأنا شاب مكافح وازداد كفاحي بعد وفاة والدي منذ ثلاث سنوات واصبحت كبير العائلة ولابد أن احافظ علي لقمة العيش. وهو محل صغير للادوات المنزلية، مع بدايات حظر التجوال اتصل بي سائق عربة نقل محملة بالبضائع لتوزيعها علي بعض التجار في قنا وأنا منهم واخبرني أنه في ميدان الساعة ولا يستطيع الدخول فقد حل موعد حظر التجوال ركبت الفسبا الخاصة بي قاصداً أول المدينة وفي طريقي استوقفني الكمين وتم عرض الرخص علي المسئولين فوجدوا أنها سارية، أمرني النقيب (أ . ه) بركن دراجتي البخارية علي الجانب الآخر فنفذت الامر. وقام بسؤال افراد الجيش الموجودين »هذا الولد غلط فيكم« فكان الرد »محصلش يا باشا« ثم جاء دور العقيد أ.ح مأمور قسم قنا سألني بدوره »فيه أيه يا ابني« رددت »مفيش حاجة يا باشا« وفجأة وبدون مقدمات بعد ان تم صرف فسبا أخري وعربة ملاكي كانا يقفان معي - تقدم اللواء ه.ع وبدون ان يسألني قام بلكمي علي صدري ووجهي عدة مرات ثم قام أفراد الشرطة والضباط بإمساكي من ذراعي ورقبتي حتي يعطوا فرصة للواء ه.ع من ضربي ضربا مبرحاً اسقطني ارضاً. كل ما كنت أردده »انت زي ابويا يا باشا« فشتم أبي في قبره بشتائم لا استطيع ان أخرجها من فمي لبشاعتها، ونالت أمي بعض هذه الشتائم وهو يقول: الشرطة رجعت يا بن........ الادهي من ذلك انه منذ أيام كان يبحث عن عمي لكي يعتذر له لما بدر تجاهي بعد أن أخبره بعض الجنود من حراس محلات الذهب أن محل ياسين ومنازل العائلة دائماً ما يكون ملجأ لهؤلاء الجنود ويحتمون بها من برد الشتاء الفارس وأنه من عائلة لها تاريخ قنائي معروف. هذا ملخص المكالمة الهاتفية الحزينة التي استمرت ساعتين من ياسين الذي لا ينتمي إلي أي تيار سياسي سوي الي عائلته العريقة الاصول الممتدة الجذور. مصر.. النصر علي مر السنين كان التاريخ شاهدا علي بسالة الجندي المصري، وما يقدمه من تضحيات شهد لها القاصي والداني، ولم لا فهم خير اجناد الارض، ومنذ اربعين عاما وهي عمر احتفالاتنا بهذه الذكري العطرة يحمل كل احتفال في طياته معاني جديدة تجئ هذا العام لتمتزج فيها روح الامل مع ضوء حقيقي مشرق يبدو قادما ليبدد ظلمة الايام الحالكة وليس هذا الضوء المزيف الذين اوهمونا انهم يشاهدونه في نهاية النفق. ولكن يبدو انهم كانوا يغمضون عينا وينظرون بعين واحدة داخل أنفاق غزة ليروا في الناحية الاخري ضوءا معنويا »حماسيا« او يروا احد الضيوف من ذوي البشرة السمراء وهو يضحك ضحكة مجلجلة »بحماس« شديد لتظهر اسنانه البيضاء وكأنها شعاع من الضوء وسط الظلمة او كما يطلقون عليه في صعيدنا انسان »مفلص«، هكذا احتفالات اكتوبر هذا العام لها مذاق خاص اقترن بضوء حقيقي جعلني اتذكر - في النهاية اصحاب هذه الاحتفالية وهذا العرس السنوي- شهداءنا الابرار الذين ضحوا بارواحهم ليس من اجل شيء سوي مصر، اتذكر دائما شقيقي الذي نال الشهادة التي كان يتمناها في هذه الحرب، حتي ان والدتي مازالت تحتفظ بصورته في دولابها الخاص مرتديا زيه العسكري وهي لا تقوي علي اخراج تلك الصورة الي الآن. تحية لشهدائنا الحقيقيين في نصر أكتوبر المجيد الذين رفعوا راية النصر من أجل مصر »ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا.. بل أحياء عند ربهم يرزقون«.