اكتب عن رئيس الجمهورية الألماني.. كريستيان فولف.. الذي صمم علي الاستقالة.. في العام الماضي.. والتخلي عن الكرسي.. وعن المنصب بعد ان اتهمته وسائل الإعلام في بلاده بأنه تربطه علاقات صداقة بعدد من رجال الأعمال.. وأنه يستفيد من ثراء البعض منهم.. وقال في بيان الاستقالة.. انه استقال كي يبقي منصب الرئيس فوق كل الشبهات.. محتفظا بهيبته في قلوب الشعب! قال كريستيان فولف في بيان الاستقالة: لقد قبلت منصب رئيس الجمهورية.. وبذلت قصاري جهدي لأداء الواجب.. كما ينبغي ان يكون.. وتفرغت تماما.. بكل وقتي وجهدي لمهام منصبي.. وكانت تسعدني ثقة الشعب بي.. وهي ثقة كنت اعتز بها وباطرادها ونموها يوما بعد يوم.. إلا أن هذه الثقة تراجعت في الأسابيع الأخيرة.. ومضي الرجل يقول بنبرات الحزن: إن تطورات الأحداث في الأسابيع الأخيرة أكدت ان هذه الثقة قد اهتزت.. ولم تعد علي نفس المستوي من القوة.. ولذلك فإنني أقدم استقالتي اليوم.. لفتح الطريق أمام اختيار رئيس جديد للجمهورية يحظي بثقة الشعب.. وقال فولت: إن التقارير الإعلامية التي تحدثت في الأسابيع الأخيرة عن شبهات فساد قد أصابته بجروح عميقة.. وأضاف ان جميع الاتهامات التي وجهت إليه.. لا أساس لها من الصحة.. وأن التحقيقات سوف تسفر عن براءته! وأصيبت المستشارة انجيلا ميركل بصدمة فور إعلان استقالة الرئيس.. وذهبت إليه.. يمينا ويساراً ولم تبق وسيلة من وسائل الاسترحام والاسترضاء والتوسل إلا سلكته.. لكن الرجل صمم علي الاستقالة.. ضاربا المثل في الترفع والوطنية وطهارة اليد ونقاء القصد.. ودخل التاريخ من أوسع أبوابه. صحيح ان منصب رئيس الجمهورية في ألمانيا.. هو منصب شرفي يتعلق بالقيام بالمهام ذات الطابع الشكلي البروتوكولي.. كي يتفرغ المسئول التنفيذي عن إدارة شئون الدولة لأداء المهام المسندة إليه وفقا للدستور.. وهو الذي يشغل منصب »المستشار«. المستشار في ألمانيا.. هو الرئيس التنفيذي في البلاد.. ورئيس الجمهورية.. هو الرئيس الذي يتلقي أوراق اعتماد السفراء ويقوم بالزيارات الخارجية ذات الطابع الشكلي.. وهو الذي يستقبل رؤساء الدول.. ويتحدث إليهم في شئون الجو.. والسؤال عن الأبناء والأحفاد.. إلخ. أما شئون السياسة.. فيقوم بها من يتولي منصب المستشار.. الذي يدخر كل وقته للعمل التنفيذي.. وإجراء المحادثات الرسمية مع زعماء العالم. والحقيقة ان استقالة الرئيس كريستيان فولف.. لم تكن مجرد استقالة للإبقاء علي طهارة ونقاء.. وهيبة منصب الرئيس.. وإنما كانت إشارة للأطفال في دور الحضانة.. والتلاميذ في المدارس.. والطلبة في الجامعات.. وربات البيوت بأن التمسك بمناصب الدولة العليا.. هو الدليل علي سوء التربية المنزلية.. وانعدام الضمير الوطني.. وأن المنصب هو أشبه بمغارة علي بابا.. حيث تتكدس الأموال والمسروقات وترتكب فيها جميع الموبقات التي لا تمت للشريعة بأدني صلة.. ولا يسأل فيها المتهم عن حساب. ولذلك احتفظت الصورة الذهنية للمناصب العليا في الدول الراقية.. بأنها مواقع للخدمة العامة.. لا تحقق لصاحبها الثراء الفاحش.. ولا تترك للأبناء والأحفاد ميراثا من الأموال الحرام التي تم نهبها من قوت الملايين.. وإنما هو مواقع للخدمة العامة.. خدمة الأوطان.. ولذلك أحرزت هذه الدول.. هذا القدر الهائل في الرقي والتقدم.. ولم يعد فيها جائع واحد.. ولا جيل كامل من الأطفال مصابون بالتقزم.. بسبب سوء التغذية.. ويخرج فيها الرؤساء من مواقع السلطة.. بلا حروب أهلية! عندنا يحدث العكس.. لأن سلطة رئيس الجمهورية في بلدنا.. خارجة عن سلطان القانون.. وتجعل الرئيس يتصور نفسه فوق الناس.. فيؤدبهم إذا شاء.. ويشتمهم ويسبهم في خطاباته الرسمية إذا أراد.. ويرفع من شأن أهله وعشيرته.. ويتحرك في موكب من السيارات المصفحة.. لأداء صلاة الجمعة علي نحو لم يعرفه الرسول صلي الله عليه وسلم.. ولا أي من صحابته.. ولم يأت ذكرها في آيات القرآن الكريم.. وهي مشاهد الخاسر الحقيقي فيها هو الإسلام أولا.. ومصر ثانيا. وزير الداخلية في ألمانيا.. لا يستطيع إعفاء صحفي من مخالفة مرور.. في الوقت الذي استطاع فيه محمد مرسي.. علي سبيل المثال.. إعفاء مجرمين من أحكام بالسجن وإعفاء إرهابيين.. وإعفاء أناس ارتكبوا جرائم التجسس والخيانة العظمي.. وأصدر بقلب بارد القرارات الجمهورية اللازمة.. بالعفو.. وهلم جرا! والسخيف في الموضوع.. ان تاريخنا الحديث مشحون بمثل هذه الممارسات.. الأمر الذي أدي بمرور الوقت إلي ارتباط الصورة الذهنية لرئيس الجمهورية.. بأنه الرجل الذي يستطيع ارتكاب جميع الأعمال التي لا يقرها الدين ولا الشرع.. ولا حتي القوانين العادية في الدول التي لا تنص دساتيرها علي أن الشريعة.. هي المصدر الأساسي للتشريع.. وأن كلمة منه.. ومنه وحده.. تستطيع إشعال حرب أو تغيير الحدود بالتنازل عن أرض الوطن لجهات أجنبية وفقا لما أعلنه عصام العريان. وفي ضوء هذه الثقافة المتدنية.. والصورة الذهنية التي تركتها الممارسات السافلة طوال العقود الأخيرة.. لمنصب الرئيس.. كان من الطبيعي ان تشعل الأطراف صاحبة المصلحة الأولي في بقاء الرئيس في موقعه إلي أبد الأبدين.. الحرب الشعواء وأن تحرق البلد وأن تعلن صراحة ان الحرب في سيناء لن تتوقف إلا بعودة مرسي لمقعد الرئاسة! ويبقي السؤال: هل عرفتم لماذا تتقدم ألمانيا.. وترتفع فيها مستويات المعيشة.. في الوقت الذي »يتقزم فيه رغيف الطابونة عندنا«؟ السبب.. ان الرئيس في ألمانيا يتمتع بقدر كبير من الحياء!