د. محمد ماهر الصواف أحدثت حركة تمرد والتي جمعت ما يقرب من 22 مليون توقيعا للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة جدلا واسعا في مصر ودول عربية آخري. وطرحت عددا من التساؤلات منها : هل هذه الآلية تتعارض مع المسار الديمقراطي ؟ وما هو مدي قانونية عملية جمع التوقيعات ؟ وهل سبق تقنينها دستوريا في الدول الديمقراطية ؟ و للإجابة علي هذه التساؤلات نوضح ما يلي: أولا : ان مفهوم الديمقراطية تطور في العصر الحديث من " حكم الشعب بالشعب" إلي"حكم الشعب بالشعب وللشعب" ومعني ذلك أن الديمقراطية لا يقصد بها فقط أن الشعب هو مصدر السلطة وصاحب السيادة وانه هو صاحب الحق في اختيار الحاكم، إنما تتضمن الديمقراطية في المقام الأول التزاما علي الحاكم بأن ينفذ مشيئة الشعب وإرادته، أي انه لا يمكن اختزال الديمقراطية في الإجراءات المؤسسية من انتخابات، و بناء السلطات، وغيرها من المظاهر الرسمية والشكلية، انما تتسع الديمقراطية لتشمل كيفية ممارسة السلطة وصنع السياسات، ومدي توافقها مع إرادة الشعب ومصالحه . ثانيا : واتساقا مع المفهوم التاريخي والأصيل للديمقراطية الذي عرف في الحضارة الإغريقية يتم بنجاح تمكين الشعب من ممارسة السلطة بنفسه و الرقابة علي الحكومة في العصر الحديث علي سبيل المثال في بعض الولايات السويسرية لمحدودية السكان، ويعرف هذا الأسلوب بنظام الديمقراطية المباشرة حيث يمارس أفراد الشعب سلطة صنع القرار من دون وسطاء. إلا انه نظرا لصعوبة جمع الملايين من الأفراد المعنيين في مكان واحد من أجل إجراء عملية التصويت علي القرارات السياسية أو رفضها، اتجهت دول العالم إلي تطبيق نظام الديمقراطية التمثيلية أو النيابية ويقوم علي اختيار نواب عن أفراد الشعب لفترة زمنية محددة من خلال صناديق الانتخاب، لممارسة السطة والحكم. ثالثا : ورغم ان نظام الديمقراطية التمثيلية اصبح هو النظام السائد عالميا لسهولة التطبيق، إلا انه يشوبه بعض السلبيات، وأثبت التطبيق العملي في مصر في ظل حكومة الاخوان أن هذا النظام لا يضع حدودا واضحة لمنع الديكتاتورية، حيث انفرد رئيس الدولة المنتخب بالسلطة وعمل علي إقصاء القوي السياسية المعارضة، بل أظهر فشلا واضحا في إدارة الدولة وتدهورت أحوال المواطنين في مصر. كما ظهرت ممارسات سلبية للمجلس النيابي حيث اتجه نحو الاستبداد بتفصيل القوانين وتجاهل رأي الأقلية. رابعا : وإدراكا لسلبيات تلك الديمقراطية التمثيلية اتجهت الدول الغربية إلي المزج بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية بإتاحة الفرصة لأفراد الشعب للمشاركة والاعتراض السياسي بشكل مباشر من خلال الإقرار بحق الأفراد بتقديم التماسات أو مبادرات مكتوبة وموقعة من عدد معين ممن لهم حق التصويت. وعلي سبيل المثال نص دستور المانيا الاتحادية علي أنه لكل شخص بمفرده أو مشتركا مع مجموعة من الأفراد تقديم مبادرات او التماسات مكتوبة وموقعة منهم للسلطة المختصة او للمجلس النيابي، وتلتزم سلطات الدولة بدراستها إذا توافرت فيها الشروط وفقا لما يحدده القانون . كما تم اصدار القوانين بالولايات الألمانية التي تنظم تقديم هذه المبادرات وتحدد الشروط الواجب توافرها. وتتضمن عادة هذه القوانين تحديد التزامات الحكومة والمجلس البرلماني تجاهها، وأحيانا ما تجيز القوانين إجراء استفتاء شعبي لحسم الخلاف بين السلطات العامة والموقعين . وفي هذه الحالة يتحمل مقدمو المبادرة جزءا من التكاليف. أما في حالة مصر فإن المادة 54 من الدستور المصري المعطل لا تجيز مخاطبة السلطات العامة باسم الجماعات إلا للأشخاص الاعتبارية. ونظرا للتجربة الناجحة لحركة تمرد وتسابق الجماهير للتوقيع عن وعي كامل ودون إغراءات مالية او دينية اعتراضا علي اسلوب وسياسات النظام السياسي السابق، مما أدي إلي انقاذ مصر من الممارسات الخاطئة للسلطة المنتخبة، لذا نقترح علي اللجنة المشكلة لتعديل الدستور أن تقوم بإعادة صياغة نص المادة 54 من الدستور المعطل لتقرر الحق في تقديم المبادرات وجمع التوقيعات المؤيدة لها باعتبارها حقا للشعب، إذ ان ذلك يتفق مع جوهر الديمقراطية ويعد اسلوبا سلميا ومتحضرا للمشاركة وللاعتراض السياسي وقد يغني ذلك عن التظاهر غير السلمي في كثير من الحالات.