مصر عروس البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وثغرهما البسام، البلد الجميل يجمع بين الحداثة والعراقة في تناغم رائع فريد، بلاد الكنانة المضيافة تفتح ذراعيها للسائحين والزوار في مسيرتهم إلي آثارها الباهرة النادرة وتاريخها العظيم، وحضارتها وثقافتها ونيلها وفنونها وشواطئها الساحرة. مصر أم الحضارات كلها والثقافة والتاريخ، بأهلها الكرماء الطيبين المبتسمين في وجه كل من يحط رحاله في بلادهم، من يزورهم في منازلهم يجدهم مهللين مرحبين. قاهرة المعز ذ مدينة الألف مئذنة وتزيد، دلالة حقيقية علي تعلق الشعب المصري بالإسلام، واعتزاز أهل (أم الدنيا) بالأزهر الشريف، أتذكر لقاء جمعني بفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد محمد الطيب في مكتبه قبل سنتين ونيف، كان لقاء أسعدني كثيرا، فالأزهر له دوره المحوري في نشر المفهوم الوسطي المعتدل والمتسامح للدين الإسلامي الخالد في مصر وبلاد العالم أجمع علي مدي قرون عديدة من الزمان، وهو صاحب مبادرة المصالحة الوطنية التي لا تقصي أحدا. هذه البلاد المباركة بخيراتها وثرواتها التي لا تعد ولا تحصي وعنصرها البشري الذي يعد أعظم من ثروات النفط والغاز، هذا الانسان المصري هو الذي شيد الأهرامات إحدي عجائب الدنيا السبع، والآثار المتناثر في طول البلاد وعرضها. هو نفسه الإنسان المصري بإرادته وعزمه وقوته، الذي أذهل العالم، بربطه البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط بانجازه حفر قناة السويس فقدم تضحيات من الأرواح المصرية بلغت أكثر من (125) ألف ليحقق بافتتاحها عام 1869م انجازا غير مسبوق في التاريخ الإنساني استفاد ويستفيد منه الإنسان في كل أقطار الدنيا، تعبر خلال القناة ناقلات النفط العملاقة وغيرها مبتعدة عن رأس الرجاء الصالح وتضخ إيراداتها في عروق ميزانية الدولة مابين (5-6) مليار دولار سنويا. انه هو الإنسان المصري الذي ناضل ضد الاستعمار والاستبداد من أجل الحرية والاستقلال، منذ الثورة العرابية، مصطفي كامل، محمد فريد، سعد زغلول، محمد نجيب، عبد الناصر، السادات، وشباب وشعب مصر العظيم اليوم المعتصمين بحبل الله جميعا. وهو نفس الإنسان الذي شيد السد العالي أكبر بحيرة من الماء الصالح للشرب علي وجه الأرض، هو نفسه الذي حطم خط بارليف اكبر حائط رملي عرفته البشرية، ليحطم معه غطرسة عدونا الصهيوني ويسجل العاشر من رمضان المبارك تاريخا عظيما ليس في هامة التاريخ المصري فحسب بل والتاريخ العربي والإسلامي. انه هو الإنسان الذي سيبني بلده ليس غيره، وسيتصدي لكل المؤامرات في الداخل والخارج ضد أمنه واستقراره، لأنه شغوف بحب بلده وترابها، وهو الذي لبي دعوة جيشه ليحمي مع جيشه الوطني سيناء وكل شبر من أرض مصر، وهذا ما أكده شيخ الأزهر قائلا: (ان الأزهر يثق تماما في أن مفهوم الدعوة الي تظاهرات الجمعة انها دعوة المصريين للوحدة والتكاتف ونبذ العنف والكراهية، ودعم القوات المسلحة وكافة مؤسسات الدولة للقضاء علي جميع أشكال العنف والمخاطر التي تحف بالبلاد). هذا البلد وأهله (خير أجناد الأرض) متسلحين دائما بالإرادة والعزم رغم ان ثرواته وخيراته علي مدي أكثر من (6) آلاف عام تعرضت وتتعرض للنهب والسرقة منذ فرعون الذي قال (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَي) النازعات 24 ومرورا بالغازين والمحتلين والمستعمرين، وحتي فراعنة هذا الزمان الذين تسلطوا علي هذا الشعب الكريم وعاثوا بأمواله فسادا ليصبح الرقم (116) في قائمة الدول الأكثر فسادا ولتسجل البطالة حوالي (14) في المئة ناهيك عن الفقر. رغم تلك الكوارث التي تعرض ويتعرض لها شعب مصر يبقي رافعا رأسه متحديا كل العقبات وكل التحديات الجسام لان من نهبوا ثرواته ومقدراته يذهبون، لكن الشعب هو الذي يبقي بشرفه وكرامته وعزته وشموخه، وتبقي ثروات مصر رغم ما سرق منها، تبقي يحرسها الله القائل (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) البقرة 61. وإذا كانت ميزانية البلاد تواجه عجزا كبيرا والاحتياطي من النقد الأجنبي هو الآخر تدني والاقتصاد برمته يواجه تحديات جسام، فاننا نجزم ان هذه العثرات لن تدوم وان لكل جواد كبوة كما يقولون، فان جواد الاقتصاد المصري سيفوز في السباق في النهاية بإرادة الله ثم بعزم وحزم الإنسان المصري وجيشه الذي أبهر العالم في رمضان المبارك 1973 وقضي علي حلم إسرائيل. هو الجيش المصري الذي وقف بحزم إلي جانب القوات السعودية والعربية والدولية لإخراج القوات العراقية من الكويت لتشم رائحة الحرية، كان موقفا تاريخيا مصريا شعبا وجيشا كما عرفت به مصر علي مر الأزمان. اليوم واقتصاد مصر وأمنها واستقرارها يتعرض لهزات عنيفة، فان دول مجلس التعاون خصوصا والعربية عموما مدعوون لمؤازرة هذا الشعب العظيم، وأنا أعرف ان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز يحبون مصر وأهلها، شجيرات الحب غرسها والدهم الملك عبد العزيز بكلمته الشهيرة (لا عرب بدون مصر ولا مصر بدون العرب) وهم سائرون علي نهجه، ودول المجلس الأخري لا تنسي فضل مصر، التي بينها وبين مصر روابط أصيلة.. وإذا كانت السعودية والإمارات والكويت قد قدمت لمصر (12) مليار دولار علي شكل ودائع ومنح وبترول وغاز، فيجب ان لا ينقطع الدعم حتي ينهض الاقتصاد المصري من كبوته، ولسنا اقل من دول أوربا التي أنقذت اليونان من الإفلاس ووقفت الي جانب دول أوربية أخري منها قبرص واسبانيا وايطاليا وايرلندا وغيرها. ومن حسن الحظ ان اقتصاد مصر ينبض بالحياة وبعيد عن حالة مثل حالة اليونان، لكنه يحتاج لوقفة العرب وبالطبع السعودية في مقدمتهم وقادتها خير من يلبي النداء فقد عرفوا بالنخوة والشهامة والكرم والجود. والشعب المصري الذي جمع بيننا وبينه الحب وصلات الرحم والقربي واختلطت دماؤنا مدافعين عن الحق عبر الأزمنة المختلفة.. هذا الشعب العظيم يحتاج إلي وقفتنا معه، كما وقف معنا فليس لنا غني عنه وليس له غني عنا.