عندما يحين وقت الرحيل، دائماً ما يصاحب ذلك شيء من الإحساس بالصعوبة، إذ يجب على المرء حزم أمتعته والعناية بأدق التفاصيل. ولكن الأمر يصبح أكثر تعقيداً عندما تكون الوجهة بعيدة جداً وذات ثقافة مختلفة تماماً، مما يزيد من صعوبة التكيف. يحصل ذلك حتى للاعبين ذوي الخبرة مثل ريكاردو أوليفيرا، الذي ولد في مدينة ضخمة متنوعة الأعراق والمشارب الثقافية، مثل ساو باولو، علماً أنه احترف في فالنسيا وإشبيلية وسرقسطة وإي سي ميلان. ومع ذلك، مثلت له الهجرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة تحدياً فريداً من نوعه، كما قال المهاجم نفسه قبل جمع حقائبه. اليوم، وبعد أربع سنوات من ظهوره الأول مع نادي الجزيرة، ما زال البرازيلي يؤكد الشعور نفسه، حيث أوضح في حوار أبرزه الموقع الرسمى للاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا": في بادئ الأمر، لم أكن أصدق نفسي، ولكني وجدت لي بيتاً هنا في نهاية المطاف. أنا سعيد للغاية. قبل أن آتي إلى هنا، كنت قلقا بعض الشيء لأنني لم أكن أعرف شيئاً عن هذا المكان. لكنني وقعت في حب هذا البلد بعد ذلك، ولم أجد عناء في استيعاب ثقافته واحترامها." شعور متبادل: هذا الإحترام متبادل بين ابن الثانية والثلاثين وأبناء بلد الضيافة. إذ يتذكر أوليفيرا مقابلة مع جريدة إماراتية بارزة حيث لاحظ الصحفيون بإعجاب كبير مدى السهولة التي يتأقلم بها النجم البرازيلي مع مظاهر الحياة في الإمارات والخليج عموماً. وأشار ريكاردو إلى أن الصحيفة "وجدت ذلك أمراً لافتاً للإهتمام، حيث تفاعل الناس بشكل إيجابي مع ما كنت أظهره من فرحة ورغبة في اللعب على أرض الملعب، كما أدهشهم هدوئي الكبير، إضافة إلى أن الأخبار التي تتعلق بي مرتبطة بما أفعله فوق رقعة التنافس لا بما أفعله خارج الملعب. وعلاوة على ذلك، أُعجب الناس بمدى ارتباطي بأسرتي وما أكرسه من وقت لأجلها. من هنا ظهرت هذه العبارة لأول مرة، حيث بدأ يقال إني قد وجدت بيتاً جديداً." وبالطبع لم يكن الطريق دائماً مفروشاً بالورود. فعلى سبيل المثال، تمكن ريكاردو بين نهاية عام 2009 ومطلع عام 2010، عندما استقر بالكاد في أبو ظبي، من إقناع الجزيرة بإعارته لساو باولو، حيث كان بإمكانه أن يخوض منافسات كأس ليبرتادوريس ويحلم بالعودة إلى المنتخب الوطني. ولكن فترته الثانية مع النادي البرازيلي انتهت في أكتوبر/تشرين الأول بعد الإقصاء في الدور نصف النهائي من البطولة القارية، ليعود مرة أخرى إلى دولة الإمارات. وقال: "لم تكن الأشهر القليلة الأولى سهلة، ولكن المرء يعتاد على الوضع بعد ذلك. هناك قوانين يجب احترامها. اليوم أعيش حياة جيدة هنا. إنها من أفضل الأماكن للعيش. إنه بلد منفتح جداً. بلد مسلم، ولكنه يوفر لك الحرية لممارسة شعائر دينك. كما أن للمرأة هنا الحرية في التنقل." كما انعكس هذا التكيف السريع والسلس بشكل إيجابي على مستوى أوليفيرا الذي حقق نجاحات باهرة مع الفريق فوق أرضية الملعب. فقد تمكن مع الجزيرة من الفوز بالدوري الإماراتي في موسم 2010-2011، وكأس رئيس الدولة في عامي 2011 و 2012، بالإضافة إلى كأس رابطة الأندية سنة 2010. وعلاوة على ذلك، كان المهاجم البرازيلي هدافاً لدوري أبطال آسيا العام الماضي برصيد 12 هدفاً في سبع مباريات فقط، وهو ما اعتبره "إنجازاً جميلاً لهذا النادي، إذ يعكس مدى الأداء الجيد والإلتزام التام وقوة الشخصية التي نظهرها فوق الملعب. بين التغيير والتجديد: ومع ذلك، فإن الجزيرة يواجه مزيداً من الصعوبات في مختلف مسابقات هذا الموسم، مما دفع إدارة النادي مؤخرا إلى اتخاذ قرار يقضي بتغيير المدرب، لتمنح مقاليد الجهاز الفني للأسباني لويس ميا. ويحاول العنكبوت تسلق جدول الدوري، حيث يحتل الآن المركز الرابع بفارق 14 نقطة خلف المتصدر العين، الذي يلعب له النجم الغاني أسامواه جيان. أما في البطولة القارية، فقد تلقى الجزيرة خسارتين مقابل تعادل واحد في الجولات الثلاث الأولى من مرحلة المجموعات. وعلّق ريكاردو على الوضع الحلي بالقول: "فريقنا لم يستهل المشوار بشكل جيد كما أننا بدأنا للتو العمل مع المدرب الجديد، الذي ما زال يحاول ترسيخ أفكاره في الفريق. كل تغيير يتطلب وقتاً قبل أن يتحقق الانسجام. ولكن أعتقد أن لدينا فريقاً قوياً يملك كل المقومات اللازمة. مرة أخرى، سيتعين علينا أن نثبت قدراتنا." ولكن ريكاردو أوليفيرا لا يشعر بالضغط حيال الوضع الراهن، الذي لا يقض مضجعه، مؤمناً بأن الجزيرة سيقول كلمته على المدى الطويل ولا سيما بعد تجديد عقده للتو مع الفريق لمدة عامين آخرين، حيث ختم حديثه بالقول: "آمل أن أوفق في الإلتزام بهذا العقد وأن أتمكن من أن أعيد للنادي والمشجعين كل السعادة والبهجة التي جعلوني أشعر بها، وكل الدعم الذي قدموه لي. آمل أن أتمكن من الإستمتاع بهذه التجربة لفترة طويلة."