لم يكن أفلاطون في أسوأ كوابيسه يتخيل أن نموذج المدينة الفاضلة التي دعا أو حلم بها، سيتحول في مصر إلى المدينة الفاسدة.. المدينة "اللي فاضلة"، نعم نحن دائما سباقون مطورون، ومبتكرون ولكن في الفساد طورنا وجوًدنا، فأبدعنا.. في كل المجالات وكل النواحي، في الشارع فاسدون ينتقدون فاسدين، وفي السياسة أهل فساد يلقون ويصبون لعناتهم على فاسدين، في الرياضة فساد وفي السياسة فساد، مستنقع تعيش فيه مصر، وغاصت فيه أقدام الناس حتى الأنوف، نعيش في "طرنش" كبير، لست متشائما، ولكنني واقعي، لست داعيا للتوقف عن التفاؤل ولكن وبمنتهى الصراحة لو استمر جيل الستينات وما أدراك ما الستينات في تولي سلطات القرار في مصر فسيظل "الطرنش" طافحا.. (من لا يعرف ما هو الطرنش فهو غرفة تجميع الصرف الصحي تحت البيوت الريفية، وفي الأرياف كانت الجملة الخالدة طلبا لسيارة الشفط.. "الطرنش طافح يا عمدة")! هي أزمة أجيال، هي فجوة ما أوسعها بين جيل عاش ونشأ وترعرع على التطبيل، وعلى حياة الخفاء والظلام وبين جيل ولد في زمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بين جيل الراديو هو اختراع عمره، وبين جيل يضطلع على العالم ب"كليك" ماوس.. عندما نشأ النظام الناصري عقب ثورة يوليو، كان جمال عبد الناصر شابا، كان هيكل شابا، كان مصطفى أمين وعلي أمين شبابا، شباب عرف كيف يستقطب المراهقين والشباب، هم كانوا يعلمون كيف يستقطبون طاقات أجيال ليست بعيدة عن أجيالهم، كان لهم فكرا سواء اتفقنا معه أو اختلفنا.. كان فكرا من شباب، عرفوا كيف يفكر أقرانهم وماذا يريدون فصنعوا التفاف شعبي وينوا نظاما حاكما.. ثم ماذا حدث؟! مازال هذا النظام وهذه القيادات، وهؤلاء الذين كانوا شباب يوما لم يتغيروان بل هم أنفسهم القابعين على سلطة اتخاذ القرار المظلوم منهم في هذا العهد وابنه، هم أنفسهم لم يتغيروا بفكرهم بسواد نفس بعضهم هم الحاكمون وهم المسيطرون.. هل هناك شاب ثلاثيني يقود؟ هل هناك شاب عشريني يملك سلطة اتخاذ القرار أو حتى سلطة الكلام في الإعلام؟ حتى الشباب الذين صعدوا ليسوا شباب النفس، بل شاربون من أسلافهم الذين مازالوا يتحكمون ويحكمون ويقودون.. لا أحد يعرف ماذا يريد الألتراس ولا بماذا يفكرون، لا أحد ليس لأنهم يفكرون في لوغاريتمات ولا لأن ما يريدون هو طلبات تكعيبية، ولكن لأن لا أحد قريب منهم، لا أحد عمره الفكري يدرك به طبيعة تفكير مراهقين وشباب في بداية مرحلة الشباب، فيتعاملون معهم بمبدأ "شوف العيال دول عاوزين ايه وطبط عليهم" فتكون النتيجة كارثية، فلا من يطلقون عليهم عيال رضوا بالطبطبة، ولا مطالبهم تحققت، ولا أحد يفهمهم لأنه لا أحد قريب منهم من صناع القرار.. شهور مرت وشباب الألتراس يستجدون الجميع أن يتحقق القصاص العادل، فهل تحقق؟ شهور وهم يطلبون تحريات عادلة، فهل تحرى أحد؟ قضية أخرى بلا أدلة، وبأدلة تدين "الجاني الوهمي" ولا تدين الجاني الحقيقي، تدين الفاعل ولا تقرب من المُحرض، والمشارك في الجريمة، وبراءات جديدة منتظرة لضباط توانوا عن تأدية واجبهم وتخاذلوا أو تآمروا، وأصحاب القرار يتعاملون بأن الأيام ستنسي وإعدام من هم أساسا عالة على المجتمع سيهدئ من روع الثائرين، يتعاملون هكذا لأنهم بهذه الطريقة كان يتم التعامل معهم، ولكن الزمن غير الزمن وما كان ينُسى سريعا من قبل أصبح لا ينسى أبدا، والجرح الذي كان يندمل أصبح غائرا.. فهل تفيق مصر وتدرك أن سن الشباب يبدأ من 18 سنة، هل تفيق الدولة فتلفظ أبناء جيل الراديو لتعطي الدولة وتسلمها لأبناء الإنترنت؟ متى نرى وزيرا عشريني ورئيس وزراء في الثلاثينات وحاكما لم يصل للأربعينات؟ متى نرى قيادات شابة وندرك أن الخمسينات هي سن الشيخوخة؟ كل الاحترام والتقدير لجيل آبائنا ولكنهم كانوا قيادات وكانت كلمتهم مسموعة في زمن شبابهم، فلماذا يستكثرون علينا أن نحكم؟ متى نرى شاب في العشرينات تقوده كفاءته وقدراته المهنية ليعتلي رئاسة تحرير صحف كبرى، متى نرى هيكل جديد يقود الإعلام وهو في سن الشباب؟ متى؟!! حتى ذلك الوقت، وانتظارا لكي يتركنا جيل الراديو والتليفون أبو قرص، فمصر مغلقة للتحسينات وكل ما يحدث ما هو إلا هري فاضي.. لكي الله يا مصر وولادتك لن تكون إلا بأيدي شبابك.. ** بالمناسبة هو الدوري إمتى؟ سمعت أنه يوم 2 فبراير.. يبدو أن سمعي تقل؟! سيعود الدوري في 13-13-2013، وكذلك سيتحقق القصاص العادل "الحقيقي"، ويهدأ الألتراس في 13-13-2013، كم كان عبقريا من اخترع هذا التاريخ؟!! زياد فؤاد لمتابعة الكاتب على تويتر اضغط هنا