الفصل الأول اسمي.. ليس مهما المهم هو رسمي، حياتي هي الأهم والأثمن، أنا ابن القرن الماضي ولدت في العهد الملكي، عشت سنوات وعايشت عصور، كنت ابنا مدللا منذ أن حطت قدماي على الأرض عام 48، الكل يداعبني ويلاعبني، لم أكن محط أنظار عائلتي فقط، ولكن كل أقاربي اهتموا بي ودللوني وتابعوا خطواتي ومهاراتي في كرة القدم. أنا ابن كنت وحيدا وظللت وحيدا لسنوات، النور كان حولي من كل مكان، كل خطواتي كانت تصاحبها آهات الإعجاب، كبرت وترعرت فاجتذني النظام الناصري، لم أكن أنا من ارتيمت في أحضان النظام ولكن هم من سعوا خلفي، كانوا يحبون صوتي العالي، كانوا عاشقين لالتفاف الناس حولي، كانوا مدركين أنني بمهاراتي ولعبي للكرة من يصنع الالتفاف والاختلاف، وكنت أنا سعيد اقتناعا مني أنني أداة لخدمة القومية العربية، اعتقادا مني أنني موحد القطبين والقطرين ورابط الجامعة العربية. ولما لا كنت شابا يافعا، كانت كلمتي مسموعة وجلبتي محبوبة، كنت أشعر أنني الكون والكون أنا، أنا محور العالم العربي، ولكنني أصبت بالصدمة بعد نكسة 67، اكتشفت أنهم كانوا يتلاعبون بي، يكسبون التعاطف من خلالي، وعندما سقطوا أهملوني ورموني، ولكنني لم أستسلم فشبابي منعني من الخنوع، حاولت وانتصبت بعد التراخي. الفصل الثاني عدت من كبوتي لأعاصر نظام جديد وحكم مختلف، حاولت أن أستعيد مكانتي مع نظام السادات، ولكن كان دائما هناك حاجز بيني وبينه، كانوا يسعون في هذه الفترة للبناء والاقتصاد المفتوح، وتعويض آثار حرب التحرير في 73، ولم أكن أنا في حسبانهم، ولكنهم لم يعارضوني ولم يقفوا في طريقي، لا ضرر ولا ضرار، أعاني العزلة ولكن الشارع معي، اشتقت لأضواء السلطة ولكني على الأقل "عايش". انتهى عهد عبد السادات وعصر الانفتاح لأجدني في عصر جديد وزمن مختلف، إنه زمن مبارك، عشت أزهى عصوري، وانتقلت من نجاح لنجاح في بدايته، عدت للأضواء، وللشهرة، عدت في أحضان الدولة، ترعاني بعد أن صرت ناضجا، عاد الالتفاف حولي مجددا، وهاهم الأصدقاء يرعونني، عدت النجم وما أحلى النجومية، أصدقائي رعوني وراعوني في ثمانينات القرن الماضي، وبداية تسعيناته، عثمان أحمد عثمان، عائلة منصور، حتى الأسيوطي وعباس رعوني وكانوا أصدقاء أوفياء أعطوني من خيراتهم. عدت محور الحديث والحياة، عدت البؤرة التي تدور البلد حولها، ونظام مبارك زاد من دعمه لي، لم يكن ذلك هو عصر مجدي، ولكن التالي كان المجد كله.. الفصل الثالث جاء سلمي للمجد.. نظام جمال مبارك الذي بدأ منذ عام 2000 ضخ لي أموال كثيرة، سمعت أنها غسيل أموال، وقالوا لي أنها أموال مشبوهة ولكن ما شأني ألست مرفها وأعيش أحلى عيشة، ما شأني إذا كانت الأموال ملوثة أو نظيفة المهم أنني النجم المدلل.. كبرت ورمت الأيام بي وأنا أتألق أصبحت الأكل والشرب للناس، صارت سيرتي هي المسيطرة، وإنجازاتي يتحدث عنها الجميع، أصبحت أنا أبو كل الإنجازات، ومولد الفرحة في القلوب.. صرت كهلا ولكنني قوي ومشهور تسلط حولي الأضواء.. أعرف أن أصدقائي يعانون، أعرف أن محبيني يتعرضون للأذية، ولكني لا أتدخل فهذا ليس شأني هم بالتأكيد أغضبوا النظام وهو يربيهم، أدرت ظهري لعشاقي واهتممت بالنظام الذي يرعاني.. وفجأة وبعد سنوات من المجد.. سقط النظام! طالما عشاقي رأوا أن نظام جمال مبارك لابد أن يسقط، دعني أسير معهم.. رغم عدم اقتناعي.. لكن دعني أسير مع عشاقي علني أواصل التألق والنجومية.. الفصل الأخير شعرت بآلام، ويبدو أنني أعاني خللا، مازلت أحب النظام وأتعاون مع أصدقائي القدامى.. قامت الثورة وأتت بناس جدد.. لا هم ليسوا نظاما، ولا أحد فيهم يتعاون معي لذلك مازلت أتعاون مع أصدقائي السابقين، ولما لا هم "حلوين" يعطونني الأموال ويدعموني، لكني أشعر بشيء داخلي، قال الأطباء والمحللين أنني أعاني مرضا عضال، خفت من استئصال الأورام التي كانت بداخلي، أصريت على أن أحتفظ بأورامي السرطانية، ولكن عنادي لم يخلف سوى أحزان، إصراري لم يولد سوى بكاء، تعاملي مع أصدقائي القدامى أودى بحياة 74 من عشاقي.. أنا آسف لهم، وآسف عليهم.. لقد تغيرت، استأصلت أورامي، سأقطع علاقتي بأصدقائي القدامى، أصبحت عجوزا لا أريد الشهرة والنجومية.. كل ما أريده.. "عاوز أعيش" لا أريد الموت.. عاوز أعيش.. عاوز أع......". كانت هذه الحكاية الأخيرة والفصل الأخير في مذكرات الدوري المصري التي كتبها قبل وفاته في 2012 إثر أزمة قلبية وسكتة دماغية.. للأسف الموتى لا يعودون إلا "زومبيز" في أفلام الرعب وبقراءة تعويذات سحرية لذلك الدوري لن يعود ولو عاد فسيتحرك مثل الموتى الأحياء وقد يأكل بشرا ويمتص دماء.. البقاء لله في فقيد الكرة المصرية.. وكل سنة وانتم طيبين! زياد فؤاد لمتابعة الكاتب على تويتر اضغط هنا