أصبحت ملاعب كرة القدم الجزائرية منذ سنوات مسرحًا لأعمال عنف وصلت حد القتل، دون أن يتمكن أحد من أيقاف هذه الظاهرة التي تعكس بحسب متخصصين مدى الاحتقان لدى الشباب الذي فقد الأمل بالمستقبل. اخترنالك تفاصيل الخلاف بين الأهلي ورامون دياز وأسباب رفض الخطيب مباريات الأسبوع الأول في دوري القسم الثاني موسم 2018-2019 خيسوس مرشح لتدريب الأهلي ومدرب تشيكي في الصورة ضياء السيد يرسم إستراتيجية نجوم المستقبل للموسم الجديد ويفتح خزينة أسراره وبلغت خطورة هذه الظاهرة أوجها في أغسطس 2014 بمقتل لاعب نادي شبيبة القبائل الكاميروني ألبير إيبوسي على أرض الملعب بسبب مقذوف ألقي من المدرجات. وبعد انحسار الصدمة التي خلفها الحادث ونقاشات وتحليلات طويلة وحملات واسعة قادتها السلطات من أجل اللعب النظيف والتسامح في الملاعب، عاد العنف من جديد ليصنع الحدث مع نهاية كل أسبوع. ولا تكاد تخلو مرحلة في دوري كرة القدم خلال الأعوام الماضية من حادث عنف بين اللاعبين او بالاعتداء على الحكام او في المدرجات بين المشجعين أو مع قوات الامن أو حتى اجتياح الجمهور لأرض الملعب. ولم تنجح العقوبات المتكررة للنوادي بحرمانها من اللعب أمام جمهورها أو نقل مبارياتها الى ملاعب بعيدة، في القضاء على الظاهرة. وفي ديسمبر، قُتل مشجع خلال لقاء بين ناديين هاويين في القسم الخامس من ولاية سطيف (شرق)، وسقط عشرات الجرحى. وفي منتصف أبريل، أصيب اكثر من 100 شخص في قسنطينة على هامش نصف نهائي كأس الجزائر بين مولودية الجزائر وشبيبة القبائل، ما دفع السلطات إلى تشديد اللهجة والوعيد "بالتصدي الصارم" و "وضع حد لهذه الظاهرة..". وقامت وزارة الداخلية بتشكيل لجنة تحقيق في هذه الاحداث لكن نتائج عملها لم تظهر بعد. ويوضح أستاذ علم الاجتماع والباحث في جامعة الجزائر 1 نور الدين بكيس أن "المراقب للعنف في الملاعب يلاحظ انه لم ينقطع يوما في السنوات الأخيرة، وإنما يتناسب حضوره مع مستوى الاحتقان الحاصل في المجتمع. وجمهور الملاعب يعكس مستوى هذا الاحتقان". ويضيف لوكالة فرنس برس أن اختيار الشباب للملاعب كفضاء للتعبير سببه "سوء تنظيم المجتمع وغياب مؤسسات حقيقية قوية تؤطر الفئات الشابة". ويعاني 30 بالمئة من الجزائريين بين سن ال 16 و24 عامًا من البطالة، بينما تسيطر الدولة على كل مقاليد المجتمع في ظل ركود سياسي وانتشار الممنوعات مقابل غياب فضاءات الترفيه. ويشير بكيس إلى أن "الملاعب كانت ولا زالت الفضاء الاكثر تحررًا من السلطة للتعبير الصادق عن واقع المجتمع والتناقضات التي يختزنها". ويتابع "عنف الملاعب امتداد للعنف المنتشر في المجتمع لكن بمستوى أكبر لأن الفئات الشابة التي ترتاد الملاعب تختزن كما هائلًا من العدوانية جراء الشعور بالعجز عن تحقيق ذاتها، ما يولد اليأس الذي يولد بدوره العنف". وعندما يصل الشباب الى الملعب، يفرحون غالبًا باللوحات الجميلة التي يصنعها المشجعون، إلا انهم يصطدمون بسوء التنظيم وقلة وسائل الراحة ما يغذي غضب الجماهير. فالمدرجات غير مهيأة "وبعضها لا يحتوي حتى على كراس والبعض الاخر لا توجد فيه مراحيض"، بحسب عبد الرحمن (17 سنة) الذي يرتاد الملاعب كل أسبوع. وبسبب عدم وجود ترقيم للأماكن، يدخل المشجعون المدرجات قبل ساعات من بداية المباراة، ويتزاحمون تارة تحت شمس حارقة وطورًا تحت المطر. وفي حال مباراة شبيبة القبائل ومولودية الجزائر، دخل المتفرجون الاوائل إلى ملعب حملاوي بقسنطينة بدءًا من الساعة السابعة صباحًا، بينما بدأت المباراة في الرابعة بعد الظهر، ما يعني تسع ساعات من الانتظار. وأشارت رابطة الدوري مرات عدة لسوء التنظيم في الملاعب ومن ظاهرة الدخول المبكر للملاعب، بحيث أن من يصل أولًا يستفيد من أفضل المقاعد لمشاهدة المباراة. ويرى رئيس مكتب تسيير رابطة كرة القدم المحترفة، عمار بهلول، أنه زيادة على غياب وسائل الراحة في الملاعب فإنها "أصبحت غير آمنة"، كما أكد لوكالة فرنس برس. وطالب بوضع كاميرات للمراقبة "لتحديد هويات المشاغبين المعروفين بالعنف ومنعهم من دخول الملاعب نهائيًا" كما فعلت بعض الدول الاوروبية. وسيركز تحقيق وزارة الداخلية بشكل خاص بحسب مصدر أمني، على "الثغرات الامنية" التي سمحت بإدخال السلاح الأبيض والألعاب النارية الى المدرجات، كما ظهر في صور نشرها مستخدمون عبر مواقع التواصل. ويفترض ان تخضع الشرطة للتفتيش كل المشجعين قبل دخول الملعب، ما يلقي التهمة على بعض حراس الملعب التابعين للنادي المضيف، بحسب مصدر أمني آخر. واتهم الاتحاد الجزائري لكرة القدم "بعض المسؤولين" الذين يطلقون تصريحات "تحث على العنف في وسائل الاعلام ونشر الحقد والكراهية بين المناصرين الشباب". ويرى نجم المنتخب الجزائري في مونديالي 1982 و1986 محمود قندوز أن "الاجراءات الامنية واتهامات الاتحاد لن تحل المشاكل"، وأن "على المسيرين أن يشركوا الجمهور في أهداف النادي، فلا يجب أن يبيعوا له الاوهام حتى لا يصاب بخيبة تتحول الى عنف". وذكر اللاعب السابق والمدرب الذي عمل في فرنساوالجزائر أن "العنف نتيجة طبيعية لحال الكرة الجزائرية في ظل اتحاد لا يسير سوى المنتخب الوطني وصورته في الخارج، بينما الكرة المحلية في تدهور". وبرأي الباحث بكيس أن "الملاعب تعيش أحداثًا تتجاوز حدود النتائج الرياضية فهي تعكس مطالب المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي نفس الوقت تبرز بوضوح مدى الاحتقان الحاصل في المجتمع" الجزائري.