صنع المجد لبلاده.. كتب اسم بلاده باحرف من ذهب استحق معها ان يكون بالفعل وليس بالكلام اسطورة الكرة الافريقية.. النجم الكاميروني روجيه ميلا الذي حقق اكبر انجازات الكرة الافريقية في نهائيات كأس العالم بقيادته لمنتخب بلاده الكاميرون وهو في الثامنة والثلاثين من عمره للدور ربع النهائي ولولا رعونة الاسود أمام المنتخب الانجليزي لبلغ بهم للمربع الذهبي! روجيه ميلا الاسطورة الكاميرونية حقق في15 يوما في مونديال ايطاليا90 ما عجز عن تحقيقه طوال مسيرته في15 عاما.. ويمثل ميلا كل تاريخ القارة السمراء بمراوغاته الرائعة واهدافه النادرة وايضا برقصاته الافريقية الممتعة التي كان يؤديها بعد كل هدف يحرزه.. وجعل من منتخب بلاده في مونديال ايطاليا90 ظاهرة. ولد ميلا في25 مايو1952 في العاصمة الكاميرونية ياوندي اكتشف عالم الكرة وسحرها في شوارع العاصمة. في عام1976 نال ميلا الكرة الذهبية الافريقية, التي كانت مجلة' فرانس فوتبول' قد احدثتها للمرة الاولي في ذلك العام, ومنها بدأت اعين مسئولي الاندية الاوروبية تراقب هذا العصفور النادر, يحاولون اغراء الشاب الافريقي بالمال والمجد. كان نادي فالنسيان الفرنسي, اكرم الاندية نظريا, فعرض علي ميلا راتبا شهريا مقداره20 الف فرنك فرنسي, وفيلا فاخرة, واللعب اساسيا ضمن فريق الدرجة الاولي, لم يفكر الشاب الكاميروني كثيرا حتي يعطي موافقته, لكنه فوجيء عند وصوله الي فرنسا, بواقع مر لا يمت الي الوعود بصلة. فراتبه لم يتجاوز3 الاف فرنك فرنسي, ووجد نفسه في شقة من غرفة واحدة, والادهي من كل ذلك, كان ضمن تشكيلة الفريق الاحتياطي التي تلعب في الدرجة الثالثة, وهو ما وصفه ميلا باستغلال اللاعبين الافارقة. ومن هذه التجربة بدأت قصة طويلة بين ميلا وفرنسا, قصة ارتباط وحب لهذا البلد بقي ميلا في فالنسيان الي غاية عام1979, حيث انتقل الي موناكو وتمكن معه من الفوز بكأس فرنسا عام1980, وهي السنة التي انتقل فيها الي باستيا, وبفضله تمكن هذا النادي المتواضع في الدوري الفرنسي من الظفر بكأس فرنسا في العام التالي. لعب ميلا لباستيا اربعة مواسم قبل ان ينتقل الي سانت اتيان, الذي لعب له موسمين. وفي عام1984, انضم الي مونبيليه حيث انهي مشواره في الدوري الفرنسي. غير ان المواسم ال12 التي قضاها نجم افريقيا في فرنسا لم تكن مثمرة, وكانت مليئة بالمشاكل والمشاحنات مع مسئولي الاندية والمدربين, حتي صار يوصف باللاعب المشاغب غير المرغوب فيه. كل هذه الظروف طغت علي فنيات اللاعب ومواهبه الخارقة, فصار التركيز علي قصصه المثيرة مع الاندية عوض ما يقدم علي الميدان, برغم الاهداف ال125 التي سجلها في360 مباراة. اول ظهور لميلا في منافسات كأس العالم كان في اسبانيا عام1982, وكان لزاما عليه دحض كل ما قيل عليه في الدوري الفرنسي, واثبات قدراته الفنية كلاعب هداف من الطراز الاول, وهو في الثلاثين من العمر. غير ان حكمين تسببا بانهاء الحلم الافريقي, ومعه طموح ميلا, ففي المباراة الاولي امام البيرو, في15 يونيو في كورونا, تمكن ميلا من تسجيل هدف في الدقيقة39 الا ان الحكم النمساوي فيهرير, كان الوحيد الذي راي وضعية تسلل خيالية فألغي الهدف وحرم الكاميرون من الفوز في هذه المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي ضد البيرو. في المباراة الثانية امام بولندا, لم يكن الحكم الفرنسي بونيه اكثر انصافا من زميله النمساوي, حيث غض الطرف عن الاعلان عن ركلة جزاء واضحة في الدقيقة89, عندما تعرض ميلا الي العرقلة داخل المنطقة, وانتهي اللقاء بالتعادل السلبي ايضا. وبعد تعادل ثالث مع ابطال هذه النسخة المنتخب الايطالي(1-1), خرج منتخب الكاميرون من الدور الاول بفارق الاهداف دون ان يتلقي اي هزيمة, فكان الاقصاء غير عادل. وفي30 ديسمبر1987, قرر ثعلب الكاميرون الاعتزال, ونظم مباراة تكريمية في دوالا حضرها اكثر من60 الف متفرج, جاءوا جميعهم لتوديع نجمهم المفضل وغنوا لساعات طويلة بعد المباراة حبهم وعشقهم لميلا. وميلا لعب موسما رمزيا مع نادي سان بيار من جزيرة رينيون, قبل ان يعلق الاحذية نهائيا. وعندما كان في الكاميرون لقضاء عطلته, كان المنتخب يقوم بدورة في الصين تحضيرا لنهائيات كأس العالم ايطاليا1990, غير ان هذه الدورة لم تكن موفقة, وظهر مستوي المنتخب ضعيفا, ولم يكن ليقدر علي مواجهة اعتي المنتخبات في المونديال الذي كان علي الابواب. عندها بدأت الاصوات تتعالي وتنادي بعودة ميلا الي المنتخب, وبدأت محاولات اقناع نجم البلد الاول بالعودة الي ميادين الكرة. وقبل ايام قليلة من انطلاق المونديال, وبرغم بقائه7 اشهر دون تدريب ودون لعب اي مباراة رسمية, قرر الثعلب وهو في الثامنة والثلاثين العودة مجددا الي الملاعب الخضراء, والتحق بالمنتخب في ايطاليا بقرار من وزير الشباب والرياضة الكاميروني. لم يكن يعلم ميلا انه سيكون نجم هذا المونديال وبطله, وانه سيحقق ما عجز عنه طيلة مشواره الكروي. في8 يونيو, جمعت مباراة الافتتاح منتخب الارجنتين حامل اللقب بالمنتخب الكاميروني, ولعب ميلا8 دقائق في هذا اللقاء الذي فاز فيه زملاؤه بهدف نظيف سجله فرانسوا اومام بيك. وفي14 يونيو واجهت الكاميرون رومانيا, وبعد ان ظلت النتيجة متعادلة سلبا حتي الدقيقة59, نزل ميلا بديلا لمابوانغ, ومباشرة بعد دخوله مرر له ماكاناكي كرة طويلة, فوجد الثعلب العجوز نفسه, جنبا الي جنب مع المدافع الروماني اندون, وبعد عملية تدافع سقط الاثنان, الا ان ميلا وبرغم السنين ال38 تمكن من النهوض واستعادة الكرة والتسجيل. كانت لحظة تاريخية, اعاد بعدها الكرة اثر مواجهته لنفس المدافع بعد عشر دقائق, حيث تمكن ميلا من المراوغة وسدد كرة قوية من مسافة15 مترا خدعت الحارس الروماني لينتهي اللقاء بفوز ميلا والكاميرون علي رومانيا(2- صفر). ولم تغير الهزيمة القاسية امام الاتحاد السوفيتي( صفر-4) في المباراة الثالثة الاخيرة في الدور الاول في الامر شيئا, وتأهل زملاء ميلا الي الدور ثمن النهائي. في23 يونيو وعلي ملعب سان نيكولا في باري, واجه المنتخب الكاميروني نظيره الكولومبي, ونزل ميلا بديلا في الدقيقة59 وانتظر حتي الدقيقة106 لتسجيل اول هدف في المباراة بعد ان راوغ المدافع اسكوبار وسدد مخادعا الحارس هيجيتا. ثلاث دقائق بعد ذلك وفي غمرة المحاولات الكولومبية لادراك الفارق, خرج الحارس الظاهرة هيجيتا من عرينه لاعادة الكرة الي منطقة الفريق الخصم, واراد ممارسة هوايته في المراوغة, الا انه كان يجهل ان المراوغة اصلا هي من ميزات الثعلب الكهل ميلا الذي استطاع خطف الكرة من بين قدمي الحارس الكولومبي واتجه بها نحو المرمي الشاغر مسجلا الهدف الثاني لمنتخب بلاده, قبل ان يتجه نحو زاوية الملعب ويهدي الجمهور رقصة رائعة علي الطريقة الافريقية. وفازت الكاميرون علي كولومبيا(2-1), وتأهلت الي الدور ربع نهائي, وهي اول مرة يتأهل فيها منتخب من القارة السمراء الي هذا الدور. والتقت الكاميرون انجلترا في ربع النهائي, وعاني الاخير الامرين قبل ان يحجز بطاقة التأهل الي دور الاربعة, بعدما تقدم الافارقة2-1, قبل ان ينتفض النجم لينيكر الذي سجل علي مرتين ومنح التأهل لمنتخب بلاده3-2 بعد التمديد. في المقابل خرج منتخب الكاميرون وميلا مرفوعي الرأس. وبذلك تمكن ميلا من صنع تاريخ ومجد لا يضاهي في مدي اسبوعين, وهو في الثامنة والثلاثين بعد ان عجز في تحقيق ذلك طيلة سنوات عدة وهو في عز شبابه.