يعد كتاب سنن أبي داود من الكتب الرئيسية التسعة للحديث النبوي الصحيح, وقد جمع مؤلفه سليمان بن الأشعث السجستاني أبو داود فيه جملة من الأحاديث, بلغت أحاديثه5274 حديثا, بعد أن بذل جهدا كبيرا ومخلصا في تصنيفه وانتقائه من بين خمسمائة ألف حديث. وركز أبو داود حسب إجماع علماء وباحثي ومحققي الحديث النبوي في هذا الكتاب علي جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء, ودارت بينهم, وبني عليها الأحكام علماء الأمصار, وتسمي هذه الأحاديث( أحاديث الأحكام) وقد قال المؤلف في رسالته لأهل مكة:( فهذه الأحاديث أحاديث السنن كلها في الأحكام, فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها من غير هذا فلم أخرجها), وقد رتب أبو داود رحمه الله كتابه علي الكتب, وقسم كل كتاب إلي أبواب, وترجم علي كل حديث بما قد استنبط منه عالم وذهب إليه ذاهب, وعدد كتبه35 كتابا, ومجموع عدد أبواب الكتاب1871 بابا. وفي الإشارة إلي مدي صحة أحاديث سنن أبي داود, فقد قال أبو داود نفسه في ذلك:( ذكرت فيه الصحيح وما يشابهه ويقاربه, وما كان فيه وهن شديد بينته, وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح, وبعضها أصح من بعض) وقد اختلفت الآراء في قول أبي داود:( وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح), هل يستفاد منه أن ما سكت عنه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟ وقد اختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن, ما لم ينص علي صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن. وقد وجد ذلك اهتماما من علماء الحديث وقد تأمل كثير من هؤلاء العلماء سنن أبي داود فوجدوا أن الأحاديث التي سكت عنها متنوعة, فمنها حديث صحيح الصحيح المخرج في الصحيحين, ومنها صحيح لم يخرجاه, ومنها الحسن, ومنها أحاديث ضعيفة أيضا لكنها تصلح للاعتبار, ليست شديدة الضعف, فتبين بذلك أن مراد أبي داود من قوله صالح هو المعني الأعم الذي يشمل الصحيح والحسن, ويشمل ما يعتبر به ويتقوي لكونه يسير الضعف وهذا النوع يعمل به لدي كثير من العلماء, مثل أبي داود وأحمد والنسائي, وإنه عندهم أقوي من رأي الرجال. وقد جمع أبو داود كتابه هذا قديما, وحين فرغ منه عرضه علي الإمام أحمد بن حنبل( رحمه الله) فاستجاده واستحسنه, والفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ( الصحاح) عليها وعلي سنن الترمذي, لا سيما( سنن أبي داود) وفي مكانة هذا الكتاب فقد أبلغ زكريا الساجي حين قال: كتاب الله أصل الإسلام, وسنن أبي داود عهد الإسلام, ووضع الكثير من العلماء شروحا لسنن أبي داود تناولت ما تضمنه من كتب بالشرح والتعليق والدراسة ومن هذه الشروح( معالم السنن) لأبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي, و(مرقاة الصعود إلي سنن أبي داود) للحافظ جلال الدين السيوطي, و(فتح الودود علي سنن أبي داود) لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي, و(عون المعبود في شرح سنن أبي داود) لمحمد شمس الحق عظيم آبادي. وفي توضيح منهجه في سننه قال الإمام أبو داود في رسالته إلي أهل مكة في وصف سننه: فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن, أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت علي جميع ما ذكرتم فاعلموا أنه كذلك كله, إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين: فأحدهما أقوم إسنادا, والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك ولا أري في كتابي من هذا عشرة أحاديث ولم أكتب في الباب إلا حديث أو حديثين وإن كان في الباب أحاديث صحاح فإنه يكثر, وإنما أردت قرب منفعته وله كلام أصرح من هذا في أنه قصد استيعاب الأحاديث الفقهية فقال: وقد ألفته نسقا علي ما وقع عندي فإن ذكر لك عن النبي صلي الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته, فاعلم أنه حديث واه, إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر فإني لم أخرج الطرق, لأنه يكبر علي المتعلم وقال كذلك: وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي بإسناد صالح, إلا وهي فيه إلا أن يكون كلاما استخرج من الحديث ولا يكاد يكون هذا ومن هنا قال بعض أهل العلم أن ما أورده أبو داود في سننه هو أصح ما وقف عليه في الباب فإذا لم يورد في الباب سوي حديث ضعيف دل ذلك علي أن كل الأحاديث الأخري في الباب ضعيفة عنده.