تزامنًا مع انطلاق الدعاية.. «مصر القومي» يطالب مرشحين «الشيوخ» باستعراض برامجهم أمام المواطنين    إسلام عفيفي: تراث مصر كنز معرفي.. والشراكة مع الإمارات تفتح آفاقاً جديدة    5 قرارات من الهيئة الوطنية بشأن انتخابات مجلس الشيوخ 2025    انخفاض سعر الدولار والعملات اليوم الخميس 17-7-2025 في البنك الأهلي بمنتصف التعاملات    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    ارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو بنسبة 2% خلال يونيو    محافظ الفيوم يوجه باتخاذ الإجراءات القانونية حيال المتقاعسين عن سداد مقابل حق الانتفاع    للعام الثالث.. تربية حلوان تحصد المركز الأول في المشروع القومي لمحو الأمية    الصحف العالمية: ترامب يهاجم أنصاره بسبب تصديقهم "خدعة" إبستين.. بريطانيا تدرس فرض عقوبات على وزير الدفاع الإسرائيلي بسبب "المدينة الإنسانية.. شهيدتان وإصابات فى قصف إسرائيل لكنيسة العائلة المقدسة بغزة    وزارة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قواتها على قرى في ثلاث مناطق أوكرانية    الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر على حدود غزة.. والآلية الحالية لا تعمل مطلقا    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى .. والاحتلال يعتقل 8 فلسطينيين فى الضفة    بشير التابعي: «الزمالك لو عايز يجيب ميسي هيجيه»    «مبيتلويش دراعه».. جماهير الأهلي تنفجر غضبًا ضد وسام أبوعلي يعد بيان استبعاده    آخر تطورات أزمة وسام أبو على.. خبير لوائح يكشف سيناريوهات التصعيد: السر في المادة 17    بمنحة دولية.. منتخب الكانوى والكياك يشارك فى بطولة العالم للناشئين بالبرتغال    سحب قرعة دوري الكرة النسائية للموسم الجديد ..تعرف علي مباريات الأسبوع الأول    شك في علاقة بين ابن عمه ووالدته فأنهى حياته في الشارع.. والمحكمة تخفف العقوبة من إعدام إلي مؤبد (تفاصيل)    وفاة شاب صعقًا بالكهرباء نتيجة شرز في كابل ضغط عالي فوق منزله بالفيوم    «الداخلية» تضبط 3 عناصر إجرامية لغسل 90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    «أزهرية القليوبية»: انتهاء تصحيح مواد العلوم الثقافية اليوم والشرعية غدا    رامي صبري يطلق أحدث ألبوماته.. تعرف على تفاصيل الأغاني وصناعها    «قصور الثقافة» تعلن عن أول مشروع استثماري هادف للربح في العلمين الجديدة    في الذكرى ال82 لافتتاحه... «جاير أندرسون» يحتفل بتنظيم معارض أثرية وورش فنية وتثقيفية    بعد 15 ليلة.. أحمد السقا يتنازل عن صدارة شباك التذاكر لأول مرة الأربعاء (تفاصيل)    تشييع جثمان المطرب ضياء عز الدين إلى مثواه الأخير    ورشة عمل متقدمة لجراحات الشرج والقولون بمستشفى «قناة السويس»    ترامب: كوكاكولا وافقت على استخدام سكر القصب في منتجاتها    أصوات البراءة غرقت.. كيف ابتلعت ترعة البداري أحلام الطفولة لثلاث شقيقات؟    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    تحطم مسيرة إسرائيلية في جنوب لبنان    قرار جمهورى بالموافقة على منحة لتمويل برنامج المرفق الأخضر من الاتحاد الأوروبى    أبي أحمد يكذب ورسائل حاسمة من السيسي وترامب، آخر مستجدات أزمة سد النهضة الإثيوبي    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    الفرص ومواعيد الامتحان والدرجات.. التعليم تجيب عن أسئلة حول البكالوريا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    خلال زيارته لسوهاج.. نقيب المهندسين يلتقي المحافظ لبحث أوجه التعاون    وزير البترول يستقبل رئيس شركة مناجم النوبة العاملة فى مجال التنقيب وإنتاج الذهب    الإسكان: كراسات شروط الطرح الثاني ل"سكن لكل المصريين7" متاحة بمنصة مصر الرقمية    18 شهيدًا في تصعيد إسرائيلي على غزة بينهم عناصر تأمين للمساعدات    تعرف على مواجهات مانشستر يونايتد الودية ضمن معسكر الإعداد للموسم الجديد    تشييع جثمان والدة الفنانة هند صبري ودفنها بعد صلاة عصر غد بتونس    كابتن محمود الخطيب يحقق أمنية الراحل نبيل الحلفاوى ويشارك في مسلسل كتالوج    مباحثات لتعزيز علاقات التعاون المشتركة بين جامعة القاهرة وجامعة جيجيانغ الصينية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول «هايبر ماركت» في العراق ل63 حالة وفاة و40 إصابة (فيديو)    سقوط 54 قتيلا جراء الأمطار الموسمية فى باكستان خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير (139) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    التفاصيل والشروط.. إدارة المنح والقروض ب"الصحة" تعلن احتياجها لكوادر بشرية    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    «التضامن» توافق على إشهار 3 جمعيات في محافظة البحيرة    بمنهجية علمية وشهادات معتمدة.. «الأزهر» ينشر لغة القرآن في قارات العالم    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    الأهلي يكشف كواليس عرض الحزم السعودي لضم أحمد عبد القادر    لو لقيت حاجة فى الشارع اتصرف إزاى؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود الورداني يكتب عن‏(‏ أبو عمر المصري‏)‏
الرجل الذي خسر كل شيء‏!‏

يعود عز الدين شكري في روايته الاخيرة أبو عمر المصري الصادرة عن دار الشروق إلي عالمه الأثير‏,‏ والذي استغرق أربعة أعمال روائية هي مقتل فخر الدين عام‏1995,‏ و‏:‏ أسفارالفراعين‏1999,‏ و غرفة العناية المركزة عام‏.2008‏ في الروايات الأربع تتكرر الشخوص وبعض الأحداث والوقائع‏,‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ سبق لشكري في روايته قبل الأخيرة غرفة العناية المركزة أن اتخذ من حادث تفجير جماعات الاسلام السياسي للقنصلية المصرية في الخرطوم‏
‏ وهو حادث متخيل بطبيعة الحال مفصلا أساسيا انطلق منه‏,‏ وفي أبو عمر المصري يستعيد الحادث نفسه‏,‏ وكثير من الشخوص مثل المسئول الأمني أحمد كمال والمحامية داليا الشناوي والصحفي أشرف فهمي وغيرهم‏.‏
ومع ذلك لا يكتب شكري نصا واحدا طويلا‏,‏ وقد أتيح لي أن أقرأ العملين الأخيرين علي التوالي‏,‏ وأستطيع أن أقرر باطمئنان أنه من بين مآثر الكاتب قدرته علي كتابة عملين بينهما كل تلك الوشائج‏,‏ ومع ذلك فإن كلا منهما يحتفظ باستقلاله‏.‏
من جانب أخر‏,‏ فإن مشروع شكري وطموحه الفني ودأيه علي الكتابة واخلاصه لها بلا حدود‏.‏ أبو عمر المصري مثلا يمتد المسرح الذي تدور عليها احداثها من مصر الي السودان الي كينيا الي باريس الي افغانستان وباكستان‏,‏ علي مدي ما يقرب من‏400‏ صفحة من السرد المتدفق العابر للحدود والقارات‏,‏ ومن البشر المختلفين المتنوعين بنوازعهم ومآزقهم وهزائمهم المتوالية‏.‏
والحقيقة أن شكري ينفرد بين الروائيين المصريين بدرايته العميقة بعالم تنظيمات الاسلام السياسي‏,‏ لكن صدقه الفني لا يوقعه في الحبائل السهلة السطحية والمطروحة علي نحو مجاني‏,‏ لإدانة الارهاب‏,‏ بل يقوده هذا الصدق وهو أثمن ما يملكه أي كاتب نحو فهم هؤلاء الارهابيين بوصفهم بشرا‏,‏ ويغوص بعمق في دواخلهم‏.‏ بعبارة أخري ليس هناك عالم نمطي وسابق التجهيز ينطلق منه الكاتب‏,‏ بل يمنح شخوصه حرية الحركة وفق المعطيات الموجودة بالفعل‏.‏
استخدام الكاتب البناء الدائري‏,‏ أي أنه بدأ من مشهد الهروب الكبير لفخر الدين وابنه عمر من السودان عبر الصحراء‏,‏ وانتهي إليه في آخر صفحات الرواية‏,‏ وبين مشهد البداية‏,‏ وهو نفسه مشهد النهاية‏,‏ تتلاطم المصائر وتتصادم منذ اللحظة التي يتصيد فيها قناصو الأمن عيسي النجار باعتباره فخر الدين‏,‏ ويهرب الأخير ويظل طوال عمره هاربا‏.‏
وفي عمل بهذا الحجم‏,‏ ليس فقط عدد صفحاته‏,‏ بل المساحة الهائلة التي تحرك الكاتب عليها‏,‏ استخدم الكاتب كل الحيل والأساليب الروائية‏,‏ مثل الخطابات المتبادلة بين ناصر وفخر الدين‏,‏ وومضات الفلاش باك‏,‏ والمشاهد القصيرة المتتالية‏,‏ والمعلومات والوقائع والأحداث المعروفة والموثقة‏(‏ مثل حادث غرق العبارة في بحيرة فيكتوريا وكان علي متنها بعض عناصر الاسلام السياسي‏).‏ كل هذا منح عمله حيوية وتدفقا ومتعة يستشعرها القاريء‏,‏ فضلا عن استخدام الضمائر المختلفة‏.‏
أبو عمر المصري رواية الأحداث الكبري والشخوص القادرين علي النهوض بهذه الأحداث بكل تناقضاتهم وهواجسهم واختياراتهم وما أجبروا عليه أيضا ففخر الدين أجبر علي الهرب منتحلا اسم عيسي النجار الي باريس‏,‏ بل والتحق بدراسة الحقوق مثلما كان مقررا لعيسي‏,‏ وفي باريس لا يلتقي فقط بأفراد من جماعات الاسلام السياسي‏,‏ حيث يرتبط مصيره بمصير تلك الجماعات الي الأبد‏,‏ بل التقي أيضا بحبيته شيرين التي سبق لها أن هجرته لتتزوج من دبلوماسي يعمل في السفارة المصرية بباريس‏.‏
وهنا اتسعت الرواية وسوف تظل تتسع‏,‏ بل وربما أفلتت من الكاتب بعض الخيوط‏,‏ كما سوف أحاول أن أوضح بعد قليل‏,‏ وخصوصا ظهور شخصية هند القدسي الفلسطينية عندما يرحل فخر الدين الي افغانستان‏,‏ وما تلاها من أحداث ووقائع انتقام فخر الدين ممن قاموا بقتل كل من يعرفه‏,‏ إما مباشرة أو بطريق غير مباشر‏.‏ قتلوا يحيي ابراهيم في سجن أمن الدولة وهو في الجامعة‏,‏ وقتلوا الكثير من رفاقه في حرب الخليج هكذا دون تمييز أرسلوا إلي ميدان معركة لم يختاروها فمات من مات وعاد من عاد‏.‏ ثم حاولوا قتله هو عدة مرات وقتلوا عيسي‏.‏ ثم قتلوا علي‏.‏ وعمر فارس‏.‏ وأفلت منهم حسين بثمن باهظ هؤلاء هم ضحايا القتل المباشر‏,‏ لكنهم أيضا قتلوا شيرين وناصر والبحيري‏,‏ وغيرهم كثيرين‏.‏ سدوا عليهم النوافذ والأبواب والسبل فذبلوا‏,‏ وظلت أعوادهم تجف حتي سقطت من تلقاء نفسها‏.‏
وهكذا حمل فخر الدين علي كتفيه عبئا لا يمكن للبشر احتماله‏,‏ فقد ماتت حبيبته شيرين بين يديه بعد أن أنجبت له عمر‏,‏ لكنه لم يستطع احتمال عمر وألقي به نحو ستة عشر عاما عند الأخوة‏,‏ حيث اعتدي عليه صديقه ورفيقه في الكفاح أبو حمزة‏,‏ والولد تم تشويهه تماما وكره أباه وكره الأخوة‏,‏ بل وأبلغ عنهم الأمن في السودان‏.‏ كل هذه القسوة لا يمكن احتمالها‏,‏ وكل هذا التوحش المجاني والخراب الذي طال الجميع صنع من فخر الدين شخصية تراجيدية بامتياز‏.‏
وفي أعقاب الحادث المتخيل لتفجير القنصلية المصرية‏,‏ ألزمت سلطات الأمن في السودان الأخوة بالرحيل فقد تجاوزوا الخط الأحمر‏,‏ وهكذا رحل فخر الدين ورفيق كفاحه حسين‏(‏ وسيعتدي هذا الأخ فيما بعد علي عمر ابن فخر الدين والوديعة التي ائتمن فخر الدين صديقه ورفيقه عليها‏)‏ رحل كلاهما الي افغانستان وإذا كان حسين الذي سيتحول الي‏(‏ أبو حمزة المصري‏)‏ قد انخرط في تنظيمات الارهاب بكليته‏,‏ فإن فخر الدين ظل لديه اليقين أن تصفية حسابه مع من قتلوا أحباءه لن تكون إلا بعودته الي مصر‏.‏ وبالفعل عاد‏,‏ وبالاتفاق مع الأمن اشتري السيارة الريجاتا التي صحبته في كل العمليات التي قام بها بمساعدة هند القدسي لتصفية قاتليه من رجال القضاء والنيابة والأمن بل وكل من تصور أنهم مسئولون عما حاق به‏,‏ ويرصد شكري علي نحو بالغ الرهافة والحساسية تحولات فخر الدين من باحث عن العدالة الي قاتل‏.‏
أظن أن الجزء الذي يتناول فيه الكاتب وقائع انتقام فخر الدين أفلت من يده‏,‏ مثلما بدت في ظني شخصية هند القدسي مفتعلة وجاءت كسنيد لفخر الدين دون أن تكون قادرة علي الاستقلال عن الاثنين معا‏,‏ أي فخر الدين والمؤلف وفي هذا السياق أيضا بدت لي وقائع الانتقام أشبه بفيلم أكشن غير مقنع فنيا‏,‏ وحتي أوضح ما أقصده هنا‏,‏ أشير الي أن اللحظات التي عاشها فخر الدين مع شيرين بعد موتها‏,‏ أي تخيله أنها تأتي اليه وتعيش معه ويراها ويتحدث معها واقتناعه التام بوجودها كان مقنعا فنيا وكذلك عندما فوجئ بهند القدسي تدخل اليه في الكهف وتتحدث معه دون ان يراها ابنه‏,‏ بدا لي ذلك مقنعا فنيا‏,‏ أي أنني لا أناقش هنا إمكانية وقوع الأحداث الخارقة أو عدم وقوعها‏,‏ ففي ألف ليلة علي سبيل المثال هناك عشرات الأحداث الخارقة مثل البشر الذين يطيرون في السماء‏,‏ هل يطير أحد في السماء؟ في الواقع لا‏,‏ ولكن في ألف ليلة يمكنك أن تصدق كل شئ لأنها عمل مقنع فنيا‏.‏
غير أن الرحلة في الصحراء بين مصر وسوريا والسودان بعد أن حمل فخر الدين ابنه عمر تكاد تشكل وحدها عملا روائيا مستقلا بالغ العذوبة والقسوة التي تصل الي حد التوحش والصراع الضاري الذي دار بين الاب وابنه كان أحد الذري التي حققتها الرواية‏,‏ واكتشاف فخر الدين لضياعه وخسارته لكل شئ‏,‏ بعد أن خسر ابنه الذي اعتدي عليه جنسيا صديقه ورفيق كفاحه أبو حمزة المصري‏,‏ يعد هذا أيضا احدي الذري التي حققتها الرواية‏.‏
وفي النهاية منحنا عز الدين شكري رواية مكتنزة ومكثفة‏,‏ طموحها لا حدود له‏,‏ واستغراقها في الهموم العامة لم يمنعها من الاخلاص للصدق الفني‏,‏ وحققت أثمن ما يمكن أن تحققه الرواية‏,‏ أن تستقل بنفسها وشخوصها‏,‏ وأن يكون الكاتب قادرا علي التنازل طواعية عن تدخله لصالح استقلال عمله‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.