قد يفترق الزوجان لسبب أو لآخر, وتشهد ساحات القضاء تفاصيل نزاعهما وتبعاته, التي اودت بحياتهما الزوجية الامنة الي نهايتها المحتومة, إلا أنه من قبيل اللدد في الخصومة والتطرف في كراهية الرجل لمطلقته محاولة حرماتها من ارضاع طفلة لعلل يتذرع بها, رغبة في إلحاق الضرر بها, وحرمان الأم من ارضاع ولدها لغير عذر شرعي أمر محرم شرعا, حيث بين الله تعالي ان الاصل ان يكون ارضاع الطفل ممن ولدته. فقال تعالي:( والوالدات يرضعن اولادهن), ولهذا اتفق الفقهاء علي ان من ولدته, اذا تبرعت بارضاعه قدمت علي غيرها وان كن متبرعات ايضا, وكذلك تقدم عند الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية, علي غيرها وان طلبت اجرة المثل, ووجدت اجنبية تقبل إرضاعه باقل من ذلك أو بدون أجرة, لقوله تعالي:( والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين), حيث دلت الأية علي ان والدته أحق برضاعته في هذين الحولين, وانه ليس لوالده استرضاع غيرها ان لم تمتنع من ارضاعه, واذا حرم حرمان الأم من إرضاع والدها, فانه يحرم إلحاق الضرر بها بسبب ولدها, لقول الله سبحانه وتعالي:( لاتضار والدة بولدها). ومن اشد الاضرار التي تلحقها بسببه, هي تلك التي تلحقها بسبب حرمانها من إرضاعه, لما ينجم عن هذا الحرمان, من احتباس لبنها, وتسببه في اصابتها بأمراض نفسية وعضوية, وإحداثه خللا هرمونيا في بدنها, له تأثيره الضار علي رحمها, وعلي انتظام دورتها الشهرية, وغير ذلك, فقد ثبت ان إرضاع الأم لوليدها, يساعد علي سرعة انقباض الرحم, وعودته الي وضعه الطبيعي, وذلك لان مص الطفل للثدي يؤدي الي إفراز مادة الاكسيرتوسين, التي تساعد علي عودة الرحم الي وضعه الطبيعي بعد الولادة, كما ان انقباض الرحم بالارضاع يوقف أي ميل للنزف الداخلي, ويمنع حمي النفاس, قال عالم الانثرويولوجي اشيلي مونتاجو: لقد ثبت ان الوليد اذا ترك بين ذراعي أمه لتحضنه بعد الولادة مباشرة, فان ثلاث مسائل شائكة يخشاها اطباء الولادة منذ سنوات طويلة, قد تحلها تلك الرضاعة في الحال, وهي: خوف النزف بعد الولادة, وتقلص الرحم, وانفصال المشيمة, وقد اجريت دراسة بكلية الطب, جامعة كاليفورنيا, لكشف نسبة سرطان الثدي عند الامهات اللاتي يرضعن اولادهن رضاعة طبيعية, واولئك اللاتي يرضعنهم رضاعة صناعية, فوجد ان الامهات اللاتي يرضعن اولادهن رضاعة طبيعية, تكاد تنعدم لديهن الاصابة بسرطان الثدي, بخلاف الفئة الثانية. كما ثبت ان ارضاع الام لوليدها يخلصها من مخزون الطاقة, والشحم المتراكم اثناء الحمل, ويساعدها علي استعادة طبيعتها وتوازن قوامها, ويشبع لديها غريزة الامومة, ويقوي عاطفتها لديها, ويشعرها بالرضا, ويزيد من ارتباطها بالولد, الي غير ذلك من الفوائد النفسية والبدنية التي تجنبها بسبب هذا الارضاع, واذا كانت هذه الفوائد تتحقق لها من إرضاعه, فاضدادها تتحقق لها من حرمانها من إرضاعه, وهذه الاضداد تخلف اضرارا جسيمة بها نفسية وبدنية, يضاف الي هذا الاضرار التي تلحق الولد, اذا ارضعته امرأة اخري غير التي ولدته, أو دبرت له وسيلة صناعية لارضاعه, فان إرضاعه عن طريق من ولدته, يحقق له الشعور بالأمان والحماية, والحب والحنان, لوفور شفقتها عليه, مما لا يتوافر عند غيرها, ومثل هذا الشعور يقوي عاطفة الانتماء عنده, ويجعل منه إنسانا سويا, بخلافه اذا ارتضع من غيرها, هذا بالاضافة الي الفوائد الجمة الاخري التي تعود الي الطفل, بارتضاعه من ثدي والدته رضاعة طبيعية, كحمايته من الاضطرابات النفسية المستقبلية, حيث يجعله ذلك متوازنا نفسيا ومنسجما مع مجتمعه, هذا فضلا عن حمايته من الامراض الجسمية, لاحتواء لبنها علي بروتين جاما جلوبيولين, المضاد لنمو الميكروبات, المسببة للنزلات المعوية وغيرها, واذا كان الشارع قد نهي عن إلحاق الضرر بالوالدة, بسبب ولدها, فقد نهي عن الحاق الضرر بالغير مطلقا, سواء كان والدة او ولدا, بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا ضرر ولا ضرار في الاسلام, فلا ينبغي ان يبلغ شطط الرجل في خصومة مطلقته وتطرف في كراهيتها ان يمنعها من ارضاع ولدها منه, لم يترتب علي ذلك من اضرار تتعداها الي ولده منها, بالاضافة الي الاثم الذي يلحقه بسبب هذا المنع.